محمد جبريل
تقاسيم حزينة لمترو مصر الجديدة
للمدن. والأحياء. والقري ملامح تتميز بها. أشبه بالثوابت التي تطالعنا في حياتنا اليومية. وفي أسفارنا إلي الخارج. يستدعيها المرء. مهما ابتعد عن المكان. تصبح تكويناً في ذاكرته.
لمترو مصر الجديدة حكايات. تبدأ ببداية إنشاء الحي في مطالع القرن العشرين. رواها العقاد وتوفيق ديان ومحمود البدوي ويحيي حقي وعشرات غيرهم من المفكرين والساسة والمبدعين.
صار المترو تراثاً مهماً من خلال الشخصيات التي كانت تستقله ما بين القاهرة ومصر الجديدة. والعكس. رويت حكايات. وقدمت أعمالاً درامية قوامها المترو.
لعلي أفدت شخصياً من المترو في الجلوس. وبيدي كتاب. بالقرب من النافذة. أدين لتلك الجلسة بقراءة مئات الكتب. تحول الوقت المقتول ـ علي حد تعبير كارنيجي ـ إلي وقت يشغي بالحياة.
المشكلة حتي الثمانينيات كانت في باصات النقل العام. وليست في المترو. والاكتظاظ والسعر المرتفع ـ نسبياً ـ في الباص. يقابله في المترو سعة وسعر شبه رمزي.
نحن نلجأ إلي العلم في التغلب علي المشكلات التي تواجهنا. وعلي التطوير. والإضافة. ذلك هو حال المدن التي تعاني التأثيرات السلبية للتقدم. وهو ما كان ينبغي أن تلجأ إليه محليات المدن المصرية. بحيث تجاوز مبدأ المنع والإلغاء. إلي السعي لحل المشكلات بوسائل علمية. أذكر المصير التعس الذي واجهه الجثمان الذهبي لتوت عنخ آمون. لما نقل من المتحف بوسائل بدائية فأصابته الفطريات. قال المسئول الكبير ـ تغطية للفضيحة ـ إن إكرام الميت دفنه!!.. ولولا مبادرات علماء الآثار ما ظل توت عنخ آمون أثراً غالياً. خلفه لنا قدامي المصريين.
مدن العالم الكبري في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. وأوروبا. ألجأها ضغط الزحام إلي إلغاء بعض خطوط الترام. أو المترو. لكنها حرصت علي أن تظل خطوط أخري موجودة. كأثر يضيف إلي المعالم الحضارية والمدنية. أفادت من العلم في تسيير الترام في بعض الشوارع. وهو ما كانت تستطيعه محافظة القاهرة. بل إنه ما ما استطاعت أن تفعله محافظة الإسكندرية.
الترام ـ حتي الآن ـ وسيلة مواصلات رئيسية. له مساراته التي لا تخالطه فيها وسيلة أخري. وكما قرأنا فإن الحكومة الفرنسية بدأت مشروعاً لتطوير ترام الإسكندرية. سواء من حيث كفاءة العربات. أو تحسين الخطوط بما يكفل انسيابية المرور.
الادعاء بأن الترام. والتروللي باص. ثم المترو. يعيق المرور. يفقد معناه إن أفلح العلم في علاج المشكلة.. وهنا يثور السؤال: جلال السعيد. أستاذ النقل الأكاديمي. وزير النقل الحالي. محافظ القاهرة السابق: لماذا اختار الحل الأسهل؟!!
الإلغاء سهل عندما تواجهنا مشكلة ما في مرفق مهم نحتاج إليه.. ألغينا الترام في الوقت الذي كان يخترق شوارع الكثير من مدن العالم. تعللنا بأن الترام. ومن بعده التروللي باص. يفاقم زحام المواصلات. وها نحن نلغي المترو.
كيف إذن يعالج العالم أزماته المرورية. دون حاجة إلي إلغاء مرفق أو وسيلة مواصلات؟!!