الأهرام
فريدة الشوباشى
الفساد بين القانون والفتاوي
استبشرت خيرا إثر سماعى لتفعيل قرار حظر سير سيارات النقل الثقيل على الطرق ،من السادسة صباحا وحتى الحادية عشر مساء،يوميا.. واستسلمت لحلمى الوردى باننى ،وأخيرا،سوف أسير فى شوارع تحترم القانون ويلتزم كل طرف من مستخدميها ،الحارة المحددة له مع المثول لقواعد المرور ،من سرعة ووقوف فى الاشارات وغيرها..وكنت ممن جأر بالشكوى حيال فوضى المرور ،التى لم أشهد لها مثيلا فى العالم،الذي زرت عددا لا بأس به من دوله..لكن حلمى تبخر كالعادة ،حيث لم يطرأ أدنى تغيير على مشهد الفوضى المرورية التى نعانى منها منذ عقود ..لا اعتقد ان أحدا ينكر فزعه إزاء احتلال سيارات النقل الثقيل لعرض أى طريق بسير ثلاث أو أربع سيارات نقل متجاورة ،دون مراعاة حقوق باقى السيارات الخاصة فى استخدام الحارات المخصصة لها، ناهيك عن حالة الهلع أمام منظر الحمولات المهولة والتى توقع ضحايا يوميا على اسفلت الطرقات ،فى حالة سقوطها اثناء السير..من جهة ثانية،نعلم جميعا ان سائقى النقل الثقيل لا يعبأون باية معايير تتصل بقواعد المرور اعتمادا على خوف السيارات الخاصة من مصير مظلم اذا ما هى، تهورت، واقتربت من سيارة النقل العملاقة،او حتى اذا لم تقترب وانما قرر سائق النقل، بمزاجه الخاص، تجاوزها.. كما ان حوادث المرور، ونحن للأسف، نحتل المكانة الأولى عالميا فى عدد ضحايا الطرق، تتكرر وبنفس الاساليب،مما يؤدى الى ايقاف السير علي الطريق ومن ثم تعطيل مصالح الناس، وشخصيا ،فاتنى موعد طائرة منذ سنوات بسبب احتجازى داخل السيارة التى من المفروض ان تصل المطار فى مدة زمنية معينة ،مع الاضافات المعتادة تحسبا للمفاجآت!!! والغريب ان شرطة المرور لايظهر لها اثر الا فى مناطق محددة ومعروفة، وهى بقدر مهارتها فى تأمين سير كبار المسئولين وإخلاء الطرق التى يسلكونها، او تسلكها مواكبهم، بقدر تخاذلها فى الرقابة على حسن تطبيق القانون. ويشجع هذا الغياب، ولا شك، المستهترين ومحتقرى القانون، على التمادى فى مخالفاتهم الجسيمة، مطمئنين الى عدم حماس الشرطى فى ارهاق نفسه او المجازفة بحياته لفرض احترام القانون،خاصة وان راتبه لا يكفيه، فيمايُعول البعض على ما سيدفعه المخالف درءا للعقوبة او التعطيل !.أما المتغر المدمرفى حياتنا الحالية،فهو التنازع الحاصل ،فى العقود الأخيرة،بين القانون والفتاوى !!.فنصوص القانون ثابتة ،تقرر لكل فعل ما يوجبه، ثوابا أو عقابا،وبنفس المعايير لكافة المواطنين وأيا كان موقعهم،فيما تختلف الفتاوى باختلاف من يصدرها واهوائه أو مفهومه للحالة المعروضة ،إلى حد التضارب أحيانا ،فكثير من الناس يصدقون الفتاوى القائلة ،بأن كل ما يحدث للانسان يتم برغبة الهية !!! ومن ثم ،فإن السائق ،ولو كان مخمورا أو تعاطى مخدرات،وقتل شخصا أو عشرة، فهذا قضاء الله وقدره !! ومن يعترض يُعد كافرا لا يستحق الحياة !وويل لمن يتجاسر ويُذكر بأن الله عز وجل قد حابانا بالعقل لكى نعمله ونحكمه بحيث

لا نؤذى الآخرين بخرق القانون ،بدعوى ان هذا «مكتوب!».. وأكثر ما يشجع أصحاب هذا التيار ،عدم اكتراث الدولة بتطبيق مواد القانون على المخالفين، حتى بات البعض يضحك ساخرا اذا حاول أحد ان يذكر بأى من هذه المواد.!وتكون السخرية أشد كثيرا، ازاء تصريح حكومى عن عدم التهاون فى عقاب من لا يحترم القانون.!!

وعلى سبيل المثال فان بعض أصحاب المصالح ومنهم من يخدع الجماهير بوصفات علاجية وهمية، يستعينون، بـ«فتاوي» ممن يوصفون ،ظلما،بالشيوخ ،بادعاء أن حججهم من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة !! وذلك وسط تجاهل تام من أجهزة الدولة أو مؤسساتها المعنية.. الأمر المقلق الى أبعد حد ،هو شيوع ازدراء القانون والجهر احيانا بعدم احترامه، مثل المقولة الشهيرة «انت ما تعرفش بتكلم مين؟» وهو ما يلحق ضررا فادحا، ليس بحياتنا فى الداخل فحسب، بل يحمل المستثمرين على الهرب من بلد لا يعرف فيه المرء، إلى من يلجأ ومن يخاطب، فى حالة الحاق أى ضرر به، سواء جراء فوضى السير فى الشوارع،او فوضى التراخيص فى المكاتب..

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف