هل عرفت الحضارات الشرقية القديمة ما عرف بامتيازات البكورية؟، هل ميزت ديانات وطقوس مصر وسوريا والعراق وفلسطين الابن البكر عن سائر إخوته؟، وما هى نوعية هذا التمييز؟، هل تم تمييزه مادياً فى الميراث ومعنوياً داخل الأسرة ؟، هل اقتصر هذا التمييز بين أفراد الأسرة فقط أم أنه امتد إلى خارج حيزها؟
الثابت لنا من خلال النصوص التوراتية أن مصر، على وجه التحديد، قد عرفت هذا النظام ، وكان معمولاً به فى العديد من المؤسسات، ويتبين هذا من الضربة العاشرة التى ضربها إله موسى للمصريين قبل الخروج، إذ قال موسى: « هذا ما يعلنه الرب: سأجتاز حوالى نصف الليل فى وسط مصر، فيموت كل بكر فيها، من بكر فرعون المتربع على العرش إلى بكر الأمة التى وراء الرحى، وكذلك بكر كل بهيمة، فيعلو صراخ عظيم فى كل أرض مصر، لم يشهد مثله من قبل ولا يكون مثله أيضاً ــــ خروج «11 : 4».
وفى موضع آخر ذكر محررو التوراة: «وفى منتصف الليل أهلك الرب كل بكر فى بلاد مصر، من فرعون المتربع على العرش إلى بكر الحبيس فى السجن، وأبكار البهائم جميعا أيضا، فاستيقظ فرعون وحاشيته وجميع المصريين وإذا عويل عظيم فى أرض مصر، لأنه لم يوجد بيت ليس فيه ميت، فاستدعى موسى وهارون ليلاً قائلاً: قوموا واخرجوا من بين الشعب أنتما وبنو إسرائيل، وانطلقوا واعبدوا الرب كما طلبتم، وخذوا معكم غنمكم وبقركم كما سألتم وامضوا وباركونى أيضاً، وألح المصريون على الشعب ليسرعوا فى الارتحال عن البلاد قائلين: لئلا نموت جميعا - خروج «12 : 29».
والنص على حالته هذه يشير إلى أن المصريين قد عرفوا نظام البكورية، فى الأسرة وفى نظام الحكم، كما يتبين أيضا أنهم كانوا يميزون كل مفتتح رحم، وكل ما هو أول الأشياء، أبكار المحاصيل والحيوانات، وهو ما يعنى أن تمييز الابن البكر كان مكرساً له فى الحضارة المصرية خلال تواجد بنى إسرائيل فى مصر، وأن ضرب بكر الإنسان وأبكار الحيوانات وكل بكر فى البلاد، يعنى تدمير الرب لما هو عزيز على المصريين، وإن لم تكن للبكورية أهمية لدى المصريين ما فكر رب موسى فى إهلاكها، خاصة أن هذه الضربة المؤلمة هى التى دفعت الفرعون - حسب ما جاء فى النصوص التوراتية - إلى الموافقة على خروج موسى وقومه من البلاد، كما تشير النصوص أيضاً إلى أن رب موسى قام بتدشين نظام البكورية هذا بين بنى إسرائيل عقب خروجهم من مصر مباشرة، حيث إنه أعلن لموسى أسس وملامح هذا النظام، إذ أمرهم بتخصيص كل بكر من الإنسان إليه، وكذلك أبكار الحيوان والمحاصيل والخبز كتقدمة له، وهى ذات العناصر التى كانت متبعة بين المصريين، فقد قام محررو التوراة بجعل رب موسى يقوض البكورية فى مصر ويدشنها بين العبريين، وهو ما نتعرض إليه بشكل أكثر تفصيلاً فيما بعد.