د. حماد عبد الله حماد
تأملات فى العلاقات المصرية ـ النوبية «2»
كانت خطوط التجارة العالمية فى العالم القديم كما جاء فى المراجع التاريخية أهمها خط «الحرير العظيم» يربط ما بين بلاد الشرق الأقصى (الصين) والشرق الأوسط طريق ناقل للحرير الطبيعى إلى إفريقيا، وناقل لصناعات وتجارة الغلال والذهب والرقيق أيضاً (بالعكس) وكان طريق «درب الأربعين» من (دنقلة) فى الجنوب الإفريقى عبر صحراوات مصر الغربية حتى (هيبس) الخارجة حالياً، ثم طريق (درب الغبارى) من أسيوط إلى واحة (سيوة) فى شمال الصحراء الغربية (مصر).
وبعد فتح «عمرو بن العاص» لمصر «عام 640 ميلادية» اتجه إلى غزو مملكة النوبة ليضمن عدم اعتدائها على حدود «مصر» الجنوبية والمقصود ببلاد «النوبة» تلك المنطقة التى كانت تعرف بمملكة (دُنقلة) بين حدود أسوان الجنوبية (دكورتي) وتحدثت المراجع كثيراً عن حملة (عبدالله بن سعد بن أبى سرح) التى غزت النوبة سنة «651 ميلادية» أثناء ولايته على «مصر».
وتم عقد صلح بين الفريقين سمى (بالبقط) وهو لفظ مشتق من اليونانية «PACTUM» ومعناه الاتفاق أو «الموادعة» وهو شبه ضريبة تدفعها «النوبة» إلى «بيت المال فى مصر» وهى كانت عبارة عن «ثلاثمائة وخمسة وستين» رأس من الرقيق كل عام وهو عدد مكافئ لعدد أيام السنة، وأمام ذلك يمد المصريون مملكة النوبة «بألف إردب من الغلال» كالقمح والفول والعدس والذرة «إلى جانب أنواع من الأقمشة الكتانية» المختلفة والتى كانت تشتهر بها «الصناعة المصرية القديمة» وبالتالى فإن (البقط) هى مصلحة متبادلة بين «مصر ومملكة النوبة» فيستخدم «الرقيق» فى الخدمة لدى الخلفاء ورجال الدولة، «والغلال» يستفيد بها شعب النوبة التى لا تتوافر فى بلادهم، أى أنها معاهدة اقتصادية.
ولا يمكن اعتبار (البقط) بأنه (جزية أو خَراجْ) ولقد أرسل ملك «النوبة» منبراً خشبياً بديع الصنع لوضعه فى جامع «عمرو بن العاص»، والنجار يذكر بأن اسمه «فيكتور» وقد جاء مع «المنبر» وقام بجمعه وتركيبه فى ساحة المسجد! وهنا يطرأ سؤال، أين هذا المنبر الآن؟ سؤال إلى وزير الآثار القائم اليوم!
ولعل المتابع للتاريخ بين «مصر» ومملكة «النوبة» المسيحية سيجد كثيراً من الفتن عبر التاريخ قد ثارت بين الدولتين، ودارت عدة حروب فى أزمنة مختلفة كان لمصر دائماً الذراع القوية «لإعادة السلام بعد غارات عديدة قامت بها جيوش (دنقلة) على جنوب البلاد، وعلى الواحات «الخارجة» وقامت هذه الغارات على مصر، حينما كانت تعانى مصر ضعفاً فى «الحكومة المركزية» حينما يستشرى الفساد والوهن فى الحكومة الإسلامية القائمة فى «مصر» «وللنوبة» صلة أخرى بمصر تجب الإشارة إليها وتلك ترجع إلى ما قبل العصر الإسلامى وهى الصلة الدينية بين الكنيسة «النوبية اليعقوبية» وبين «البطريكية المرقسية» فى «الإسكندرية» حيث يشمل الأخير برعايته الدينية بصفته «الكنيسة القبطية»، فيُرْسَّمْ فى «مصر» الأساقفة فى مملكة «النوبة» و«جنوب السودان» ومع تقدم التاريخ واختلاط القبائل العربية بسكان البلاد الأصليين فى «النوبة» فقد أدى إلى «انتشار الإسلام انتشاراً سريعاً»، ومن استمسك بمسيحيته التجأ إلى مناطق الهضاب الغربية فى «كاردفان» أو «دارفور» وتوقفت (الجزية والبقط) بدخولهم الإسلام
وغداً للحديث بقية!