التحرير
سامح عيد
هل خرجت رؤية عرفات من البيت الأبيض؟
نشرت النيويورك تايمز والإندبندنت البريطانية، مقالات ألمحت فيها إلى أن بعض دوائر الحكم في أمريكا ألمحت للجانب السعودي رغبتها بعدم توافق العيد مع الحادي عشر من سبتمبر، بما كان يستدعي أن تكون وقفة عرفات في الحادي عشر من سبتمبر بدلاً من أول أيام العيد.

ولذلك جاءت عدم رؤية الهلال ليكون الشهر متما، رغم أنه ثالث شهر يتم وهذا ليس طبيعيًَّا، والبدو العارفون بالصحراء وخبراء الهلال يؤكدون أن الشهر لم يكن ليتم أبدًا، وأن هذا الهلال ليس ابن يومين أو ثلاثة ولكنه أكثر من ذلك في بداية الشهر.

هل يجوز أن نجامل الأمريكان في تأدية شعائرنا.

لو ذهبت للفقهاء وكانت رغبة الدولة أو المملكة المجاملة ستجد ألف مخرج ومخرج، بالحديث عن المصالح المرسلة، عن الضرورات تبيح المحظورات، عن أخف الضررين، وأخف الشرين، وعن النفاق الاجتماعي، "نحن نبش في وجوه أناس وقلوبنا تبغضهم"، حديث شريف، وعن النفاق السياسي، المؤلفة قلوبهم من كبار القوم ورؤساء العشائر كانوا يتقاضون من أموال الفىء والحروب عشان قبائلهم تسلم، وبعد ذلك امتنع عمر عن الدفع لهم على اعتبار أن هذا كان والإسلام ضعيف.

وبعدين هي حتفرق يعني يقفوا على عرفات النهارده ولا بكرة.
المشكلة أن رؤية الهلال واختلاف صيام الناس وعيدهم وأضحاهم أصبحت مشكلة عويصة، كل سنة تحدث مشكلة ما بين الفلكي ورؤيا العين، وكثيرًا ما تصوم دول وتفطر دول أخرى، دولة تكمل رمضان ودولة أخرى تصلي العيد، في العيد الكبير الكل ملتزم برأي السعودية على أساس أن الحجاج من جميع دول العالم، وفي إحدى السنوات كان الفرق يومين وليس يومًا واحدًا، ومرة الناس صامت 31 يوما في رمضان، وناس تانية صامت 28 يومًا، هل آن لهم أن يحسموا هذه القضية ويحددوا من بداية السنة مواقيت الأعياد والصيام، لأن تلك المواعيد تترتب عليها إجازات، وترتيبات، والعالم كله منظم الآن، العامل أو الموظف يعرف إجازاته من بداية العام، ربما يرتب لسفر، لرحلة، يحجز في فندق، هل تعرفون أن قضية العيد هذا العام صنعت ارتباكًا كبيرًا، فقد حجز أناس فنادق في شرم الشيخ والغردقة بناء على الرؤية الفلكية التي أعلنت على أساس أن الأحد هو أول أيام العيد، ورتبوا أوضاعهم أن يذبحوا في أماكنهم ويسافروا، وكان أول يوم حجز هو الأحد وحتى الخميس، وضاع منهم يوم الآن بسبب مناورات السعودية السياسية بشعائر الناس وحجهم.
المشكلة هي استخدام الدين في التبرير السياسي، وهذه مشكلة كبيرة، تضعف الدين، وفي نفس الوقت تربك السياسة.

المشكلة أن يحمل كهنة الدين، معهم السماح والمنع، ويرى ما يريده الحاكم، المنع أو السماح، إذا أراد الحاكم المنع، أخرج أدلة المنع وأحاديثه وضروراته، وإن أراد الحاكم السماح، أخرج المصالح المرسلة والضرورات وأخف الضررين وأقل الشرين، واستخرج الآيات والأحاديث أيضا ومواقف السيرة التي تسمح بذلك وأحكام الفقهاء التي تسمح بذلك.

أتمنى أن يجنبوا الدين هذا العبث، وإن اتخذت قرارات، فلتتخذ بشكل سياسي، لا ديني.

وأن يظل الدين محرضًا على الأخلاق الكلية، ومحققًا للامتلاء الروحي، الذي يضفي على الشخص جوا من الطمأنينة والقناعة التي هو في أمس الحاجة إليها الآن في ظل مجتمع استهلاكي نهم، تموج من حوله المولات والمنتجات بتنوعها الضخم وإبهارها، الإعلانات والتسويق يحاوطه في كل مكان في الإعلام في الشوارع في المواصلات، كم الإغراءات واللعب على أوتار الحاجات الإنسانية في أعلى مستوياته، لن يصمد أحد أمامها، دون زاد روحي، يقدمه الدين في ظل طقوس وشعائر، تقرب الإنسان من سلطة روحية عليا، يدعو لها، ويطلب منها السكينة والطمأنينة.

اللهم إنا نسألك نفسًا مطمئنة ترضي بقضائك وتقنع بعطائك ولا تخاف سواك.

ستظل شعيرة الحج ملهمة، حيث يجتمع عدة ملايين من البشر من جميع أنحاء العالم، بكل لغات العالم يتحدثون، الأبيض والأسود والملون، الرجال والنساء والأطفال، يرتدون نفس الزي، يؤدون نفس المناسك، يذبحون ويوزعون على فقراء العالم 3 ملايين رأس ماشية بما يساوي ربع مليون طن من اللحوم، تكفي لإطعام مليار إنسان.

كل عام وأنتم بخير، وأعاده الله عليكم باليمن والبركات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف