يبدو أن عيد الأضحى سوف يظل صادماً للعراقيين، على مدى سنوات وعقود عديدة، كما بات شهر سبتمبر صادماً للأمريكيين قروناً عديدة أيضاً، فكما كان إعدام الرئيس العراقى فى نهاية عام ٢٠٠٦ صادماً للطائفة السُنية العراقية على الأقل، والشعوب العربية فى مجملها، كانت أحداث برجى مركز التجارة العالمى فى ٢٠٠١ كذلك بالنسبة للأمريكيين وغيرهم.
الحدثان التقيا هذا العام، ذكرى إعدام صدام وافقت هجرياً الاثنين، صبيحة عيد الأضحى، التاريخ الذى حددته قوات الاحتلال الأمريكية، بناء على طلب الطائفة الشيعية بالعراق، لما يحمل من دلالات النحر والانتقام والتشفى، كما ذكرى انهيار برجى مركز التجارة، التى وافقت الأحد ١١ سبتمبر، اليوم الذى سبق العيد، وما تحمله من إهانة للأمريكيين، شعباً وقيادة أيضاً.
الغريب فى الأمر، هو أن هذه الذكريات جميعها، كان يجب أن تتوافق فى يوم واحد، كان من المفترض بالحسابات الفلكية، ورؤية العين معاً، أن يكون العيد يوم الأحد، إلا أن السلطات السعودية أعلنت استكمال شهر ذى القعدة ٣٠ يوماً، توقع البعض منذ البداية شيئاً ما، حتى لا يوافق العيد ذكرى الحادى عشر من سبتمبر، مصادر صحفية أمريكية وبريطانية ألمحت إلى أن ذلك جاء بناء على طلب دوائر أمريكية، حتى لا تأتى احتفالات المسلمين بالعيد مع ذكرى الهجمات على الولايات المتحدة، الغريب أنها كانت ستتوافق أيضاً مع ذكرى إعدام صدام.
لذا أكملت السلطات السعودية، ومن خلفها الأمة الإسلامية، الشهر العربى ٣٠ يوماً للمرة الثالثة على التوالى، رغم أن ذلك فى عرف الشهور الهجرية يحمل الكثير من الكلام، كما أن الحسابات الفلكية منذ البداية، كانت تؤكد أن وقفة عرفات توافق السبت العاشر من سبتمبر، وهو الأمر الذى كان يجب أن نسمع معه أصوات علماء المسلمين، إلا أنهم يلتزمون الصمت فى مثل هذه المواقف، لأسباب معظمها واضح ومعلوم، فقد صُمنا رمضان من قبل ٢٨ يوماً، وهناك من صام ٣١ يوماً، كما تم التراجع من قبل عن رؤية الهلال، أو عدم الرؤية، وكلها كانت لأسباب سياسية أيضاً.
على أى حال، سوف تظل ذكرى إعدام الرئيس العراقى، بأيدٍ طائفية داخلية، وإخراج أجنبى أمريكى، تمثل العار العربى، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، سوف يؤرَّخ لها دائماً وأبداً، على أنها كانت بداية التردى العربى، سواء على المستوى الطائفى، أو على مستوى التدخل الأجنبى، إلى الحد الذى انتهك المخادع العربية، وما تبقى من الشرف العربى، وهى سلسلة الانتهاكات التى مازالت مستمرة حتى اللحظة، فى صور متعددة، وفى أقطار عديدة.
للأسف مازالت هناك بعض النفوس الداخلية الطائفية الضعيفة، التى تحتفل بالذكرى، وترى فيها انتصاراً، على الرغم من أن الضمير الأجنبى انتابته فى بعض اللحظات نوبات يقظة، هناك من خضع لعلاج نفسى، وهناك من انتحر، وهناك على الأقل من أبدى الندم، بما يشير إلى أننا، على المستوى العربى، نعانى من حالة مرضية مستعصية، لم يحن الوقت حتى الآن للشفاء منها، وإلا لكانت الأوضاع قد اتجهت إلى الاعتدال، أو التحسن على أى مستوى.
الكثير من الخفايا والأسرار، لم يُكشف عنها النقاب حتى الآن، سواء ما يتعلق بغزو العراق وإعدام الرئيس، أو ما يتعلق بالهجوم على برجى مركز التجارة العالمى ووزارة الدفاع الأمريكية، إلا أن المؤكد هو أن العراق لم يكن يمتلك أى أسلحة دمار شامل، وهى الذريعة التى استندت إليها الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس «المتطرف دينياً» جورج بوش الابن، ومن خلفها بريطانيا، بقيادة «المتشدد عنصرياً» تونى بلير، رئيس الوزراء آنذاك، ويكفى أن نتذكر فى ذلك التوقيت، استخدام بوش ذلك التعبير الشهير، وهو (الحرب الصليبية) واستخدام بلير الكثير من التصريحات الكاذبة على شعبه، فى تبريره للحرب.
كما أن المؤكد أيضاً، هو أن بعض العواصم العربية، قد لعبت دوراً فاعلاً فى تدمير العراق، سواء كان ذلك فى عام ١٩٩٠، بزعم تحرير الكويت، أو خلال سنوات الحصار الثلاث عشرة، التى تلت ذلك التاريخ، أو حتى خلال الغزو الأمريكى البريطانى عام ٢٠٠٣، وتكفى الإشارة فى هذا الصدد إلى أن تكلفة الحرب بالكامل عام ١٩٩٠ تحملتها الموازنات الخليجية، كما أن غزو ٢٠٠٣ لم يكن ينجح دون دعم لوجستى عربى، وها هم خليجياً وعربياً مازالوا يسددون فواتير الانبطاح، وما هو قادم أسوأ، ذلك أن الأجندة الأجنبية مازالت متخمة بالمفاجآت.
على أى حال، كان من المهم أن نتوقف سياسياً وإعلامياً وشعبياً، أمام هذه المفارقات التاريخية، إن هجرياً وإن ميلادياً، إلا أن ذلك لم يحدث، على الرغم من أن هذه الأحداث مازالت، وسوف تظل تلقى بظلالها على مجريات أوضاعنا، وإن كانت تحت مسميات أخرى مختلفة، يراها البعض ربيعاً، والبعض الآخر خريفاً، إلا أنها فى كل الأحوال تمثل امتداداً للسيناريو المعد مسبقاً، والذى عاد بنا إلى الوراء عقوداً عديدة، إن فى صورة احتلال، وإن فى صورة خضوع وتبعية، وإن فى صورة مواجهات دموية، أو حتى فى صورة ترد اقتصادى واجتماعى وسياسى، غير مسبوق، ناهيك عن انتهاكات لحقوق الإنسان، تعود بنا إلى عصور الظلام، غفر الله لكل القادة السابقين والراحلين، وأعاذنا مما نحن فيه.