أمس "الإثنين" كان يوم عيد.. يوم.. بل قل لحظة تتوقف فيها الكرة الأرضية عن اللف بنا!!.. أو هو يوم لا ندور نحن فيه حول الساقية معصوبي العينين مثل كل الأيام.. يوم مختلف تماماً.. يوم نتذكر فيه أننا مازلنا نعيش!!.. يوم نتحرر فيه من دكتاتورية "عقارب الساعة" التي تتحكم في أعصابنا!!.. يوم تري فيه أقرب الناس منك رغم أنهم منذ لحظات كانوا أبعد الناس عنك.
كان سيدنا محمد "صلي الله عليه وسلم" يذهب إلي المسجد في هذا اليوم من طريق ويعود من المسجد من طريق آخر.. لماذا؟!.. لأنه كان يريد أن يري كل الناس بقدر الإمكان.. ويصافح كل الناس.. كل من في طريقه.. إشارة منه "صلي الله عليه وسلم" بنهاية أي خصام بين الناس.
والصلاة في الهواء الطلق.. في الخلاء.. بعيداً عن المساجد.. بعيداً عن أي سقف.. الرُكـَّع السجود تحت السماء مباشرة.. لعلهم يتزكرون يوماً لا يوم بعده.. فتقشعر الأبدان.
ولعلك إذا عدت إلي البيت جمعت كل من في البيت ليشهدوا الأضحية.. اذكروا اسم الله علي الأضحية مع لحظة سكين الجزار.. وهناك من يتناول إفطاره من الأضحية.. ولكن كثرت قنوات المطبخ علي الشاشة. كثير منهم نصح بأن لحم الأضحية خاصة الخروف في اليوم التالي. خير من طبخها في نفس اليوم.. والله أعلم.
* * *
هناك حكاية جانبية..
هل زُرت السودان. مش مهم في الأعياد.. في أي أيام عادية؟!!.. عندما سافرت كثيراً إلي السودان مع فرق الكورة. كان الإفطار اليومي أن تجلس علي مائدة خالية من الطعام.. لكي يتم شَوْي الريَش. وتشم رائحة الشواء. وتشتاق بشدة لهذا اللحم.. تحضر البنات صواني اللحم ذي العظمة الرفيعة لتأكل هذه الريَش. وأنت ممسك بالعظمة دون شوكة أو سكين. أو عيش أو سلطة.. وجبة صباحية يومية.. بعدها تجد صواني الفول بكل أنواع الصوص.. زبدة أو زيت من كل الأنواع مع بيض أيضاً ومربي وجبن وغير ذلك.. منتهي الكرم.
* * *
بالمناسبة أيضاً.. هناك قصة أخري.. ولكنها قصة مشهورة. وليست حقيقية!!
هل قرأت رواية "البؤساء" لفيكتور هوجو.. كانت مقررة علينا في رابعة ثانوي في مدرسة فؤاد الأول!!.. تصوروا بطل القصة اسمه "جان فالجان" شاب صغير. لن يصل إلي العشرين من عمره. إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات. يمثل منتهي الفقر والبؤس.. كان يأكل رغيف العيش حاف وهو جالس القرفصاء علي الرصيف تحت محل شواء اللحم.. كان يشم رائحة الشواء. ثم يقضم قطعة عيش ويأكل.. هكذا حتي ينتهي الرغيف.
ذات يوم أمسك به صاحب المحل يطالبه بثمن "رائحة الشواء".. حسناً.. أخرج الشاب الصغير قطعة نقود معدنية وألقي بها علي رخام المنضدة أكثر من مرة.. ثم وضع قطعة النقود في جيبه!!.. تعجب صاحب المحل: أين ثمن رائحة الشواء.. فقال له الشاب الصغير:
ــ أنا شممت رائحة الدخان بأنفي.. وأنت سمعت رنة النقود بأذنك.. نبقي خالصين!!
* * *
وبعد..
كل سنة وأنتم طيبون.. في ظروفنا الاقتصادية الصعبة جداً.. نبني بلدنا من جديد بعد أسوأ ستين عاماً بلا طوبة فوق طوبة.. ومع ذلك نأكل اللحم ونشم معه رائحة الشواء معاً!!!... الحمد والشكر لله رب العالمين.