محمد جبريل
خيار وفقوس في ذكري الراحلين
وجه مصر عندي يتمثل في شخصيات أثرت حياتنا عبر مراحل التاريخ في تاريخنا المعاصر والحديث عشرات الشخصيات والحق أن مصر التي نحبها ليست في المطلق إنها ليست مجرد اسم ذي حروف ثلاثة. نحبها لأن الواجب يقتضي ذلك مصر طفولة ونشأة ودراسة ومعالم حياة. واضحة أو تعاني الظلال مصر هي تاريخ المقريزي وابن عبدالحكم وابن تغري بردي وابن إياس والجبرتي والرافعي وسليم حسن. ونضال محمد كريم وعمر مكرم وعبدالله النديم. وملاحظات الطهطاوي. وزعامة عرابي. وخطب مصطفي كامل. وقيادة سعد زغلول. وعملقة عبدالناصر. وتحدي نبوية موسي. واجتهادات محمد عبده. وتلاوات القرآن والأذان لرفعت وعلي محمود وشعيشع والمنشاوي ومصطفي إسماعيل وعبدالباسط. وريادة الحكيم. ومواقف العقاد. واستنارة طه حسين. وأفكار سلامة موسي. وتميز المازني وأحمد أمين والزيات. ومستقبلية أحمد بهاء الدين وسيد عويس. وأبحاث مشرفة وعلي إبراهيم ومحفوظ وسليمان عزمي والباز وعبدالمحسن صالح وزويل. وروايات نجيب محفوظ وقصائد شوقي وحافظ. وصوت أم كلثوم. وأستاذية عبدالوهاب. وألحان سيد درويش وداود حسني والقصبجي وزكريا والسنباطي. ولوحات عياد ومحمود سعيد وصبري وندا وسيف وأدهم وانلي والنجدي وعبدالحفيظ وسري وأفلاطون ودسوقي ويقشيش. وتماثيل السجيني وصلاح عبدالكريم وأحمد عثمان وعبدالحي. وأفلام كريم وسليم وذو الفقار والشيخ وأبوسيف وبركات والشيخ والإمام وحسين كمال والطيب. وعشرات غيرهم.
شاهدت في قناة فضائية مشروعاً جديداً لتقديم رموز من حياتنا المصرية. لافتة توضع علي البيت الذي أمضي فيه المحتفي به حياته. أو جانباً منها. عليها تاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة.
الفكرة مقبولة. ولو لمجرد أنها تعرف مواطني المدينة أو الحي إلي شخصيات مهمة. أقامت بينهم. وأضافت إلي حياتهم. وإلي الحياة المصرية بعامة.
أذكر اللافتة الصغيرة علي باب البيت الذي كان يقيم فيه الشاعر اليوناني كافافيس بالإسكندرية. تقول: هنا عاش كافافيس. أما اللافتة المصرية الساذجة فالأولي بها دكان يشير إلي نوعيات البضائع في الداخل. البديل عن الصمت أو الصوت الهامس ليس الجهارة والزعيق. اللافتة تستهدف الاحتفاء والتذكر. وليس الترويج!
اللافت أن الأسماء التي طالعتنا علي شاشة التليفزيون هي لشخصيات فنية. أبدعت في فنون الموسيقي والغناء والتمثيل. بينما اختفت الشخصيات التي أضافت إلي حياتنا في مجالات الإبداع والتطوير والتقدم مصر تدين لهؤلاء المشاعل. لكنها تدين كذلك لأسماء مهمة في مجالات العلم والفكر والإبداع السردي والشعري والكتابة للمسرح والسينما.
الاقتصار علي الأسماء التي يعرفها المواطنون في مجالات التمثيل والموسيقي والغناء يعني توخي السهل أعرفك بما قد تعرفه أكثر مني التقديم الحقيقي لمن أثروا حياتنا يشمل ـ ربما بدرجة أهم ـ أسماء مهمة في العلم والفن والفكر الإنساني.
أما التعامل بمنطق: هؤلاء يعرفهم المواطنون. فهو خطأ غير مقبول الهدف تقديم الإنجاز. بصرف النظر عن حظ صاحبه من الشهرة.
نحن نعرف سيد درويش وحسن فايق ومحمود المليجي وداليدا وغيرهم من نجوم الأغنية والتمثيل. لكننا نظلم ممن مثلوا قيمة مهمة لأن شهرتهم تغيب عن المواطنين.
إذا لم يكن ذلك كذلك. فإن من حق ذكري هؤلاء الراحلين أن تخلد في حياة الناس.
يجب أن نهمل سياسة المتاح وما يستهوي الناس. نستبدل به الموضوعية وما يضيف إلي الذاكرة. حتي لو لم يكن الشخص الذي نقدره في إطار الشهرة نفسها التي تحققت للآخرين!