استقال د. خالد حنفي وزير التموين السابق أو أقيل.. لكن قصته لم تنته بعد.. فقد ترك وراءه اسئلة كثيرة مازالت معلقة دون إجابات واضحة ومحددة.. تدينه أو تبرئه.. وقد كنا نتطلع إلي الحصول علي هذه الإجابات من خلال الاستجوابات التي قدمت له في مجلس النواب - 11 استجوابا - من باب حقنا كشعب في أن نعرف الحقائق.. وكنا نمني أنفسنا بأن نري مساجلات جادة وجريئة للوزير لأول مرة في حياتنا النيابية تنتهي - ربما - بسحب الثقة منه.. وإقالته من منصبه بإرادة برلمانية شعبية".. كان هذا المشهد الجديد تماما علينا سيحفر في الأذهان.. وسيعتبر نقلة نوعية هائلة في حياتنا السياسية بما يحمل من مغزي.. ثم جاءت استقالة الوزير المفاجئة - أو إقالته - لتنهي القصة بالسيناريو التقليدي .. وتترك الاسئلة المهمة معلقة بدون إجابات.
من هذه الأسئلة مثلا: ما هي القيمة الحقيقية التي دفعها د. حنفي فعلا للفندق الذي كان يقيم فيه؟!.. هل تتناسب مع ما جاء في إقرار ذمته المالية؟!.. وهل قدم إقرارا بذمته المالية أصلا قبل أن يتسلم منصبه؟!.. وهل اثبتت التحقيقات انه دفع هذه القيمة من ماله الخاص كما قال أم دفعت له.. ومن دفعها؟!.. وهل توفر الحكومة عادة مقرات في القاهرة لإقامة الوزراء الذين يأتون من المحافظات النائية.. وهل عرض علي الوزير السابق مقر حكومي ورفضه؟!
وفي قضية فساد صفقات القمح ايضا هناك اسئلة مازالت معلقة مثل: ما معني المسئولية السياسية للوزير عما جري وكيف يحاسب عنها.. وما مدي مسئوليته الجنائية؟!.. وماذا عما يتردد الآن بشأن وجود مؤامرة دبرت ضد الوزير السابق من قبل مافيا استيراد القمح للتخلص من الرجل الذي كان قد بدأ منظومة اصلاحية هيكلية لتوفير القمح؟!
وفي اتجاه آخر.. تتكاثر الاسئلة حول القرارات التي اتخذها وزير الصحة وتسببت في أزمة لبن الأطفال.. هل كانت هذه الأزمة نتيجة قرار فردي من الوزير أم أنها سياسة حكومة نفذها الوزير.. أو أنها اقتراح للوزير أقرته الحكومة؟!
نحن لم نسمع شيئا من الحكومة طوال أزمة لبن الأطفال.. كان الوزير يدافع بأن كل شيء علي ما يرام والأزمة مفتعلة.. هناك بضع سيدات "مندسات" تم حشرهن أمام مراكز توزيع علب لبن الأطفال لإثارة مشاعر المواطنين والايماء بأن هناك مشكلة.. هذا كل ما في الأمر.. لكن الواقع نطق بلسان آخر.. واثبت أن هناك أزمة حقيقية.. والحلول المطروحة لها مثيرة للجدل.. ومع ذلك صمتت الحكومة وكأن الأمر لا يخصها.
وكان الرأي العام ينتظر بعض الإجابات في تعديل وزاري قيل إنه سيتم مع تعيين وزير جديد للتموين.. لكن التعديل لم يحدث.. وبقيت الأمور علي حالها.. ولم يدلنا أحد لماذا استبعد التعديل.. ولماذا بقي وزراء الصحة والتعليم والتعليم العالي في مناصبهم رغم كل ما أحاط بهم من ضجيج.
وهناك اسئلة أخري معلقة منذ فترة طويلة بشأن الاعفاءات الضريبية التي قررها مجلس النواب لرئيسه ونوابه فيما يتقاضونه من بدلات ومكافآت وحوافز.. في الوقت الذي يدفع فيه صغار العمال والفلاحين والموظفين ضرائبهم كاملة.. ومن المنبع.
هل هذا الاستثناء دستوري أم غير دستوري؟!.. القاعدة العامة تؤكد نظرية العدالة الضريبية علي الجميع.. فكل أبناء الوطن خاضعون للضرائب بمقتضي المواطنة والمساواة اللتين كفلهما الدستور.
ثم.. ما مدي صحة الأنباء التي تتردد عن اتجاه بعض النواب إلي التحرك خفية بجمع توقيعات لتصحيح هذا الوضع وإلغاء الاستثناء المشين؟!
في النهاية.. أرجو أن يكون واضحا أن هذه الاسئلة تبحث عن إجابات ولا تبحث عن إدانات.. والإجابات قد تحمل في ثناياها البراءة.. لكنها في كل الأحوال تؤكد حق الشعب في أن يعرف الحقيقة والمعلومة الصحيحة ليبني رأيا عاما مستنيرا.. فالشعب - لمن ينسي أحيانا - هو مصدر السلطات.