عباس الطرابيلى
أهل الثقة.. أم أهل الخبرة؟«١-٢»
لم تعرف مصر - طوال العهد البرلمانى - الديمقراطى - الليبرالى بين عامى 1924 و1952 رئيساً واحداً عسكرياً للحكومة.. كما كان كل وزراء الداخلية من المدنيين.. وإن شاهدنا وزيرين للحربية يمكن أن ينتسبا إلى العسكريين.. بل وشهدنا - أحدهما وهو أصلاً من رجال الشرطة - قد أصبح وزيراً للحربية، لأنه كان مقرباً من الملك، هو الفريق محمد حيدر.. وثانيهما كان نسيباً للملك، هو إسماعيل بك شيرين!!
ولكننا ومنذ بداية ثورة يوليو 1952 أخذنا نشهد رؤساء عسكريين للحكومة.. بل وأصبح كل وزراء الحربية.. وكذلك وزراء الداخلية من العسكريين.. وكان ذلك إيذاناً بأننا دخلنا عصر الثقة.. وتركنا أهل الخبرة.. وعشنا عصراً من الصراع بين «أهل الثقة.. وأهل الخبرة» امتد منذ عام 1952 - أى الثورة - حتى الآن.. فهل كان «تغليب» أهل الثقة على أهل الخبرة سببه قدرة العسكريين على الإدارة والحكم.. وتسيير الأعمال؟ تعالوا نحكى الحكاية من بدايتها.
البداية كانت مع حكومة اللواء محمد نجيب الأولى وهى الحكومة رقم 71 فى مسلسل حكومات مصر منذ حكومة نوبار باشا عام 1878 - أيام الخديو إسماعيل - وهى التى خلفت حكومة على ماهر، والتى كانت آخر حكومة مدنية بالكامل، وآخر حكومة فى عهد الملك فاروق - يوم 24 يوليو 1952، وكانت حكومة اللواء محمد نجيب يوم 8 سبتمبر هى أول حكومة يرأسها عسكرى.. وإذا كان ذلك لضرورات رأتها الثورة بسبب الخلاف على قانون تحديد الملكية الزراعية «الأول» ولم يدخلها أى عسكرى وزيراً.. ولكن فى حكومة نجيب الثانية «18 يونيو 1953»، وهو نفس يوم إلغاء حكم أسرة محمد على، وإعلان الجمهورية، ضمت الحكومة عدداً من العسكريين، وكأن هذا اليوم كان انقلاباً على الديمقراطية الليبرالية بالفعل.. إذ ضمت هذه الحكومة: جمال عبدالناصر نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية، وعبداللطيف البغدادى وزيراً للحربية والبحرية، وصلاح سالم وزيراً للإرشاد القومى، ووزير دولة لشؤون السودان - وليته ما شغل وزارة شؤون السودان هذه - ثم تم تعديلها وعين جمال سالم وزيراً للمواصلات وزكريا محيى الدين للداخلية، وبقى عبدالناصر نائباً لرئيس الوزراء فقط - ليراقب تصرفات محمد نجيب - كما تم تعيين كمال الدين حسين وزيراً للشؤون الاجتماعية.
وزاد التواجد العسكرى فى الحكومة فى أول حكومة برئاسة عبدالناصر نفسه، يوم 25 فبراير 1954، وأصبح جمال سالم نائباً للرئيس مع احتفاظه بمنصب وزير المواصلات، وبقى بغدادى وزيراً للحربية، وصلاح سالم فى موقعيه السابقين، وزكريا محيى الدين للداخلية، وكمال الدين حسين للشؤون الاجتماعية، وزاد التواجد العسكرى من أهل الثقة أكثر فى الحكومة رقم 75 فى 17 إبريل 1954 برئاسة محمد نجيب، وهى ثانى حكومة برئاسة عبدالناصر، وزاد فيها التواجد العسكرى بدخول حسين الشافعى وزيراً للحربية، وحسن إبراهيم وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية. ودخلها أنور السادات وزيراً للدولة بعد ذلك، وهكذا بدأ تزايد التواجد العسكرى من أهل الثقة، وفى يونيو 1956 أصبح عبدالحكيم عامر وزيراً للحربية بجانب قيادته للقوات المسلحة، وفى هذه الوزارة - بعد أن أصبح عبدالناصر رئيساً للجمهورية - تم تعيين على صبرى وزيراً لرئاسة الجمهورية.