عزيزى نيوتن..
■ بعد أن انتهيت من عمل شبكة من الحبال فى خمس ساعات، اكتشفت أن مقاسها صغير، فقررت فك الشبكة وحوالى ١٢٠ عقدة، وبعد ٥ ساعات من الفك، وجدت أننى لم أفك حتى نصف العقد. وأنا غاضب من نفسى، لأننى المتسبب فى المشكلة نتيجة استعجالى. كانت لا تفارق ذهنى ثلاثة أمور: الأول قاعدة النجار الذهنية، وهى قم بالقياس مرتين، ثم اقطع مرة واحدة، وفى حالتى هذه أهملت القياس الذهنى لما يجب أن تكون عليه النتيجة النهائية فكانت المشكلة.
■ أما الثانى فهو مقولة لأينشتاين: «إنك لا تستطيع أن تحل مشكلة إذا فكرت على نفس المستوى الذى حدثت فيه المشكلة»، وهذا جعلنى أغير وأفك العقد من أسفل لأعلى، ونجحت الفكرة فأصبحت العقد تأخذ نصف وقت الفك. أما الأمر الثالث فهو ما حكاه لى أحد معارفى منذ عشرين عاما، حينما زار مدارس أطفال فى إسرائيل، ووجدهم يعطونهم بعض الأدوات البسيطة وحولهم الكثير من الأجهزة القديمة لكى يقوموا بفكها، وكان هناك التليفزيونات والكمبيوترات وغيرهما، لأن هذا يعلمهم الصبر ويرفع من قدرتهم فى المستقبل على إيجاد حلول للمشاكل فى هذه السن الصغيرة جدا، فهم يدركون أنه لإصلاح أى مشكلة لجهاز أو معدة عليهم الوصول للجزء الذى به عطل، وهم يدركون أيضا أن معظم التقدم الذى حدث فى العالم كان لحل مشكلة ما، فمثلا السيارة اختُرعت لحل مشكلة الوقت والمجهود الضائع فى التنقل، والميكنة الزراعية اختُرعت لزيادة الإنتاجية الزراعية، وتوفير الغذاء اللازم لتغطية الزيادة السكانية الرهيبة. وللأسف فقدنا نحن هذه الميزة للأبد فى الأرض القديمة نتيجة تفتيت الملكية الزراعية التى حدثت فى الستينيات، والحمد لله أدرك هذا عظماء الزراعة فى مصر، وعلى رأسهم النابغة يوسف والى، فغير الفكر فى الـ٢.٦ مليون فدان من الأرض الصحراوية المستصلحة فى الـ٢٥ عاما الأخيرة.
■ الحقيقة ودون نفاق وكذب على النفس أننا كنا نسير حتى عام ٢٠١١ على مسار الدول الناجحة، ولو ببطء، وفى عدد من المجالات فقط، وليس كل المجالات، ولكن بعد ٢٠١١ حتى عام ٢٠١٤ غلب علينا التخريب والشعارات الفارغة على العمل الحقيقى، أما بعد ٢٠١٤ فأصبح لدينا أمل، ولكنه أصبح الآن قلقا، لأننا لا نسير على نفس خطوات هذه الدول.
■ ومن المؤكد أننا نسير فى الاتجاه العكسى بما هو حادث من تحقير لرجال الأعمال والنيل من ذمتهم وسمعتهم والاستيلاء على أموال بعضهم ثم سياسات مالية خانقة للمستثمر المصرى وطاردة للمستثمر الأجنبى، وأخيراً قوانين الاستثمار، وأكبر مثال على ذلك قانون التعدين الذى يحدد زمن الاتفاقية بعامين حتى أربعة أعوام، فى حين أن المتوسط العالمى للوصول بالاكتشاف لمرحلة الإنتاج الاقتصادى فى مناجم الذهب مثلا- هو عشر سنوات. فهل هذا قانون جاذب للاستثمار؟ وهل راجعنا قوانين التعدين فى العالم قبل إصدار هذا القانون؟ وهل استشرنا قبل إصدار قانون التعدين- العالمى سامى الراجحى الذى بهدلناه بلا خجل، بل شككنا فى ذمته ببجاحة فى أعقاب ٢٠١١؟
والراجحى الذى لا أعرفه شخصيا فى جملة واحدة «مصر أنتجت فى المائة عام قبل قدوم الراجحى٧٠٠٠ كيلوجرام ذهب فقط، آخرها كان عام ١٩٥٨، حيث أنتجنا ٥٦ كيلو ذهبا، وبعد قدوم الراجحى بخبرته العالمية ومعرفته التقنية ومعداته المتقدمة أنتج ١٢٠٠٠ كيلوجرام ذهب، فى عام ٢٠١٥، أى أنتج فى عام واحد فقط ضعف إنتاج مائة عام، وسينتج ١٥٠٠٠٠ كيلوجرام كل عام بعد ذلك ولمدة ٢٠ عاما، وستحصل مصر خلالها على ٥٠٪ من أرباحه دون تكلفة على الدولة، وبعد أن عمل هو والـ٤٥٠٠ موظف مباشر وغير مباشر على مدى ٢٠ عاما للوصول إلى هذه النتيجة (والإعلام مازال يروج أن رجال الأعمال يكسبون وهم نائمون)» هذه الجملة ترد على أى جاهل أو مخرب خاض فى سيرة الراجحى.
وأخيرا عاوزين نبقى مثل أى دولة تقدمت.. إذن علينا أن نفعل مثلهم وليس عكسهم.