عزيزى أستاذ/ عبدالناصر سلامة
كما تعلم من تكرار اتصالى بك عبر الرسائل الإلكترونية أنى متابع لمقالاتك بـ«المصرى اليوم»، وفى الأغلب معجب بأفكارك وشجاعتك فى طرحها، بالإضافة إلى قدرتك المهنية على وضع هذه الأفكار فى إطار ضيق وعدد قليل من الكلمات تتيحها مساحة العمود.
وفى مقالك عن تعريف الثورة، فإننى أود أن أذكر لك ما فكرت فيه وكتبته، لعله يضيف شيئا للمعنى، وذلك بحكم تجربتى فى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو: إن الثورة هى قيام جزء مؤثر من الشعب بالخروج على النظام القائم، بغير الطرق الشرعية والدستورية والقانونية، فى لحظة قيامها، لانسداد هذه الطرق أمامهم، أو عدم كفاءتها، لتغيير الوضع الراهن بشكل فورى، باندفاع يحركه عدم الرضا، أو الرغبة، أو التطلع إلى وضع أفضل، ومباركة باقى الشعب أو عدم اعتراضه.
قد تكون هذه الثورة سلمية، تستخدم الضغط الجماهيرى وانضمام آخرين لهم، وقد تتحول إلى ثورة فيها عنف، وعنف مضاد، وتؤدى إلى وجود ضحايا، فى جميع الأحوال، فمن قام بالثورة أبطال إذا نجحت الحركة، وخارجون عن القانون إذا فشلت، ونتيجة طبيعة حركة الجماهير فإن استمرارها لأكثر من عدد قليل من الأيام يحتاج إلى القيادة والتدبير والتنظيم والتمويل وإلا انفضت، أو أصبحت فوضى.
إن قيادة العقل الجمعى للجماهير يلغى الشخصية الفردية فى الأغلب، كما قال لوبان، الفيلسوف الفرنسى فى القرن الثامن عشر، كما أذكر، وفى حالة ظهور قيادة للثورة وتنظيم، فإنها تتحول إلى طريق يمثل توجهات التنظيم الذى يقود ويستخدم طاقة الجموع لصالح أغراضه، وليس كل ما قام الشعب له ومن أجله فى البداية، وإذا لم يظهر لها قيادة أو ظهرت قيادات مختلفة بتوجهات مختلفة فإنها الفوضى والحروب الأهلية، وفى جميع الأحوال فإن البناء يحتاج إلى وقت ورؤية وكفاءة وخبرة، أما الهدم فيحدث فى لحظات للأسف.
تحياتى واحترامى/ د. حسام بدراوى
على أى حال، لم تخرج تعريفات الدكتور حسام بدراوى كثيراً عن المتعارف عليه شعبياً، أو حتى دولياً فى هذا الشأن، إلا أن هناك الكثير مما كان يجب أن نتحدث فيه باستفاضة فى مثل هذه الحالات المتعلقة بالثورات ككل، كالفرق بين الثورات والانقلابات، أو الفرق بين الثورات الشعبية الطبيعية والتحركات الجماهيرية الموجهة، أو عملية السطو على الثورات من هذا الفصيل أو تلك المؤسسة، إلا أن الظروف الحالية فى مجتمعنا لا تسمح بطبيعة الحال بالخوض فى مثل هذه المناقشات، من خلال تجربتى، لا عن طريق الإعلام الرسمى، ولا حتى الخاص.
إلا أن ما أردت الإشارة إليه فى المقال السابق هو ما بعد الثورات، أو نتيجة تلك الثورات، وهل من الطبيعى الاستمرار فى إطلاق اسم الثورة على هذه أو تلك أياً كانت نتائجها؟ على سبيل المثال كما هو معلن على الأقل إعلامياً وما تناولته المناهج الدراسية، أن الهدف الأساسى من ثورة ١٩٥٢ هو القضاء على الظلم، أو حتى القضاء على الإقطاع.. لم تمض سوى أعوام قليلة حتى اكتشف الناس أن الظلم هو ما بعد تاريخ ١٩٥٢، وليس ما قبله، والشاهد على ذلك هو أعداد المساجين والمعتقلين أو الذين طالتهم عمليات التعذيب من كل الأيديولوجيات بلا استثناء، ناهيك عن ظهور طبقات من الأثرياء على جثث أصحاب الثروة الحقيقيين، وهو ما أضرّ بالاقتصاد أيما ضرر.
حتى فيما يتعلق بالإقطاع، قد تكون المدة طالت إلى حد ما، حتى يكتشف الناس أيضاً أن الإقطاع قد عاد فى صور أكثر وضوحاً وقسوة من ذى قبل، حين أصبحت الفجوة بين الأغنياء والفقراء غير مسبوقة، حين أصبحت البطالة كذلك، حين أصبح التضخم والغلاء والتشرد والتسول ظواهر مجتمعية، بالتالى، بدأت الحوارات تناقش الاسم الحقيقى لما حدث فى ذلك التاريخ باعتباره انقلاباً متكامل الأركان، من وجهة نظر البعض، وهو ما أكده قائده اللواء محمد نجيب.
أيضاً كان السؤال الذى يطرح نفسه الآن: ما الذى حدث فى ٢٥ يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو و٣ يوليو ٢٠١٣، ما هو الاسم الحقيقى لكل ذلك، وهل تحققت الأهداف؟ أيضاً نستطيع القول - فيما يمكن السماح به- إن شعار العيش والحرية والعدالة الاجتماعية كان أكثر تحقيقاً على أرض الواقع قبل تلك التواريخ عنها الآن، ويكفينا هنا الاستشهاد بأمرين على قدر كبير من الأهمية هما: بناء المزيد من السجون وليس العكس، وانهيار الاقتصاد وقيمة العملة وليس العكس أيضاً.
ربما كانت أهم مساوئ ١٩٥٢ هو الردم على كل الجروح والدمامل التى نتجت عنها، دون محاسبة أو عقاب المتسبب فيها، أو حتى علاجها، كيلا تتكرر مستقبلاً، حتى ما تعلق منها بضياع الأرض وانتهاك العرض، وهو الأمر الذى عانى منه المواطن لسنوات طويلة، وأخذ يلقى بظلاله على مجمل الأوضاع، إلى أن كان ما كان الآن، وكأن التاريخ يعيد نفسه، وهو ما يوجب علينا الاستفادة من دروس الماضى بعدم جواز الردم على كل ما من شأنه الإساءة للدولة المصرية وتاريخها، سواء تعلق الأمر بالدماء، وما هو أدنى من ذلك وما هو أكثر، وإلا فإنه من الطبيعى أن يأتى اليوم الذى سيتم فيه وضع تعريف منطقى لما جرى ويجرى، دون خجل، بما يتناسب مع المقاييس العالمية فى هذا الشأن.