الوطن
حسن ابو طالب
ألغاز هجمات 11 سبتمبر
قبل ثلاثة أيام مرت خمسة عشر عاماً كاملة على أحد أكثر الأحداث جدلاً فى تاريخ العلاقات الدولية المعاصر، إنه الهجوم الذى استُخدم فيه لأول مرة أربع طائرات مدنية تم اختطافها وتوجيهها إلى رموز القوة الاقتصادية ممثلة فى برجَى التجارة العالمى بنيويورك، ورمز العسكرية الأمريكية ممثلاً فى البنتاجون فى واشنطن. وبالرغم من مرور هذه المدة الطويلة نسبياً، فما زال الحدث ممتداً فى تأثيراته وعواقبه، وآخرها أمران؛ أولهما تهديدات أيمن الظواهرى، زعيم شبكة القاعدة، بتكرار الهجوم على الولايات المتحدة مئات بل آلاف المرات، فرغم الغزو الأمريكى لأفغانستان فالقاعدة ما زالت موجودة. والثانى وهو موافقة مجلس النواب الأمريكى على تشريع أقره مجلس الشيوخ فى مايو الماضى ويسمح للأمريكيين بمقاضاة حكومات أجنبية يُعتقد أنها مسئولة عن عمل إرهابى راح ضحيته مواطنون أمريكيون. وهو قانون يعترض عليه الرئيس أوباما. والسائد إعلامياً وسياسياً أن هذا القانون مُصمم لكى يتم مقاضاة السعودية، باعتبار أن غالبية الانتحاريين التسعة عشر الذين نفذوا هجوم 11 سبتمبر كانوا من السعوديين، ومن ثم فالمملكة حسب اعتقاد الكونجرس مسئولة عن هذه الهجمات، وبالتالى تتحمل التعويضات لعائلات الضحايا الذين تقترب أعدادهم من الثلاثة آلاف نفس.

وبالطبع هناك الكثير من التفسيرات التى يمكن أن تُقال لهذا القانون، خاصة توقيت موافقة النواب عليه قبل أربعة أيام من الذكرى 15 على الهجمات، وتلك الأيام عادة ما تكون مشحونة بالانفعالات والتحليلات الساخنة فى الإعلام الأمريكى ومُوجهة للمسلمين والعرب بشكل عدائى لا تخطئه عين. وما يخص السعودية هنا يبدو غير مفهوم، خاصة أن الصفحات التى قيل إنها مُنعت من النشر فى التقرير الذى أصدرته لجنة خاصة تابعة للكونجرس فى 2005 لأن فيها معلومات تمس الأمن القومى الأمريكى، وتردد على نطاق واسع ولمدة العقد الماضى كله أن هذه الصفحات فيها ما يؤكد تورط السعودية رسمياً فى هجمات 11/9، وحين تم نشر هذه الصفحات قبل شهرين لم يظهر فيها أى شىء يدين السعودية وفقاً لما كان سائداً فى التحليلات الخبيثة السابقة، وحتى الإشارات التى تضمّنتها هذه الصفحات حول احتمال أن أحد المقربين من بندر بن سلطان سفير السعودية الأسبق بواشنطن آنذاك، كان على صلة بأحد المهاجمين، فإنها جاءت فى صورة احتمال تقديم مساعدة مالية لهذا المُهاجم لا يُعرف قدرها ولا سببها. وبالتالى فلا تُعد دليلاً على تورط الحكومة السعودية كما يتمنى البعض من كارهى المملكة فى دهاليز واشنطن.

المفارقة فى الأمر أن المحكمة الجزئية بمانهاتن فى نيويورك أصدرت حكماً قضائياً فى ديسمبر 2011 بإدانة كل من إيران وحزب الله لقيامهما بتقديم تسهيلات لعدد من الانتحاريين الذين نفذوا هجوم 11 سبتمبر، الأمر الذى اعتُبر تورطاً مباشراً، ثم بعد خمس سنوات حكم القاضى الفيدرالى بالمحكمة ذاتها فى مارس الماضى بإلزام إيران بدفع 10.5 مليار دولار تعويضات لضحايا الهجمات.

نحن إذاً أمام عدة تطورات متضاربة فى مغزاها، إذ كيف يمكن أن تتشارك السعودية وإيران وحزب الله -والصراع الصفرى بينهم معروف للكافة- فى عمل عدائى سافر يُوجه لأكبر الحلفاء الذين تعتمد عليهم الرياض من أجل الأمن والاستقرار، وكيف يمكن لمسئول سعودى أن يحصل على توجيه رسمى لدعم انتحاريين تابعين للقاعدة، التى تناصب المملكة ونظامها العداء السافر؟ وإذا كانت إيران قدمت بعض تسهيلات لمرور عناصر مهمة من القاعدة عبر أراضيها إلى دول أخرى، فمتى؟ وهل يعنى ذلك أنها شاركت أو تورطت مباشرة فى عملية الهجوم ذاته تخطيطاً وتدريباً وتمويلاً؟ إنها مفارقات السياسة الأمريكية التى لا تتورع عن ابتزاز أقرب الحلفاء ووضعهم دائماً فى دائرة الشكوك والضغوط سياسياً ومعنوياً.

ما سبق هو امتداد للغز الكبير الذى ما زال يحيط بالهجمات ذاتها، والمرجح أنه سيظل قائماً لمدى زمنى لا يعلمه إلا الله تعالى. وهنا نرصد ثلاث روايات كل منها يستند إلى وقائع معينة، الرواية الرسمية الأمريكية هى أن هذه الهجمات نفذها انتحاريون تابعون لتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، والذى عليه دفع الثمن، إضافة إلى حركة طالبان التى كانت تسيطر على أفغانستان آنذاك وقدمت الملاذ الآمن للتنظيم وقياداته، والذين بدورهم قدموا الولاء لزعيم طالبان باعتباره أميراً للمؤمنين. وهى الرواية التى بُنيت عليها استراتيجية مكافحة الإرهاب الدولى والقيام بغزو أفغانستان للقضاء على القاعدة وطالبان، مع تقسيم العالم إلى فريقين حسب رؤية الرئيس بوش الابن، الأول فريق الخير بقيادة واشنطن، وهم الذين أدانوا الهجوم وأيدوا واشنطن فى كل ما تفعله من انتقام وحروب. أما فريق الشر فهم كل أعداء أمريكا كالقاعدة وطالبان وإيران وكوريا الشمالية وسوريا وعراق صدام حسين، وهم جميعاً هدف مباشر للانتقام الأمريكى، سواء ثبتت مسئولية المشاركة فى الهجوم أم لا.

الرواية الثانية وهى تشكك جملة وتفصيلاً فى الرواية الرسمية الأمريكية بداية من إمكانية أن يقود أفراد عاديون طائرات مدنية كبيرة الحجم وتوجيهها بكل حرفية ناحية مبان عالية، وذلك بعد تدريبات غير احترافية ولمدد قصيرة أقل من شهرين فى مراكز للطيران غير مؤهلة لهذا النوع من قيادة الطائرات، ومروراً بأن القوات الجوية الأمريكية لم تعترض أياً من هذه الطائرات المختطفة فى مدى زمنى لا يتجاوز ثمانى دقائق حسب التوجيهات العسكرية الأمريكية، بل لم تَطر أى طائرة حربية خلال أربع وعشرين دقيقة انتهت فيها عملية الارتطام بالبرجين ومبنى البنتاجون، وكذلك وجود دلائل علمية على أن انهيار البرجين لم يكن نتيجة احتراق وقود الطائرات المدنية بل نتيجة تفجيرات كانت مُعدة بحرفية، وعدم وجود حطام طائرة بالقرب من مبنى البنتاجون، ونهاية بأن هذه عملية دبرتها المخابرات الأمريكية لتبرير شن حروب تخدم توجهات المحافظين الجدد للسيطرة على العالم. أما الرواية الثالثة فهى اعترافات تنظيم القاعدة وبن لادن شخصياً بعد عام كامل من الهجمات عبر الكثير من المقاطع المصورة والصوتية بأن الهجمات نفذها بالفعل مجاهدون من القاعدة وتحت إشراف مباشر من بن لادن نفسه، وذلك إيماناً منهم بضرورة إنهاء عجرفة واشنطن وإسقاط الدولة الأمريكية ذاتها كمقدمة لهيمنة الإسلام عالمياً.

الروايات الثلاث لكل منها له أسانيده القوية، وهذا بدوره جزء من اللغز الكبير الذى لا يمكن حسمه، والذى سيظل مع البشرية لزمن طويل مقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف