بشكل عام الحماقة هى سوء التصرف، وتصبح الحماقة عظيمة إذا أساء صاحبها التصرف، رغم ما أتيح له من إمكانيات التعلم. هل من الوارد مثلاً أن يفشل فران -عاش ثلاثين عاماً فى فرن- فى خبز رغيف عيش، إلا أن يكون أحمق؟. لدينا فى العالم العربى نماذج عديدة على الحمق والحماقة، تعال إلى نموذجين صارخين منهما، نموذج جمال مبارك، ونموذج سيف القذافى، كلا الرجلين ربى فى قصر الحكم، بل يمكنك القول إن كليهما فتح عينيه على الحياة داخل هذا القصر، ورغم ذلك تجد أن ممارستهما شاهدة على قدر لا بأس به من الجهل السياسى، سواء خلال الفترة التى صعد فيها نجمهما فى عالم السياسة، وأصبح بمقدورهما التدخل فى دولاب الحكم، والتأثير فى صناعة القرار، أو خلال الفترة التى تعاملا فيها مع الثورتين اللتين شهدتها كل من مصر وليبيا عام 2011. كان أداء الاثنين شاهداً على الحمق والحماقة، بإمكانك كى تستدل على ذلك أن تسترجع من الذاكرة الطريقة التى أدار بها جمال مبارك انتخابات 2010، والتى كانت سبباً مباشراً من الأسباب التى أدت إلى اندلاع الثورة فى مصر، وأن تستعيد خطاب سيف القذافى بدايات الثورة الليبية، حين خرج متوعداً الشعب الليبى بالقتل، وحرك فى وجه الليبيين صباعه الشهير الذى حاول بعضهم بتره بعد القبض عليه، ولعلك تعرف النتائج التى ترتبت على خطاب سيف القذافى وأدت فى النهاية إلى مقتل أبيه. ليرحم الله الجميع!.
كل أنظمة الحكم تعانى من وجود هذا النوع من الشخصيات الحمقاء التى لا تجيد الحسابات السياسية، وتتخذ قرارات غير محسوبة العواقب، تتحدى بها مشاعر أو ثوابت عامة، فتكون النتيجة إضاعة النظام بمجمله، نعم مسمار واحد من بناء قد يؤدى -إذا كان محورياً أو أعطيت له فرصة أن يكون محورياً- أن يهد النظام بأكمله. التجارب التاريخية تقول ذلك والتجارب المعاصرة تؤكده، لذلك تجنح أنظمة الحكم العاقلة إلى التخلص من أى أحمق يجد طريقه إلى مؤسسات صناعة القرار. وإذا كان الأمر بالنسبة لنموذجى جمال مبارك وسيف القذافى مفهوماً، لأنهما كانا ابنى الرئيسين «مبارك» و«القذافى»، فإن المسألة تختلف عندما يفسح نظام معين المجال أمام أحمق، ويجعله جزءاً من تركيبة الحكم.
نخلص مما سبق إلى أن ثمة نوعين من الحمقى، الحمقى بالبنوة أو المصاهرة، والحمقى الذين يجدون طريقهم إلى مراكز صناعة القرار، وتقديرى أن النوعين يحملان نفس الدرجة من الخطورة على أنظمة الحكم. فالحمقى المتسربون، يقفون وراء العديد من القرارات التى يمكن أن تضر بنظام الحكم أشد الضرر، لأن كل قرار ينسب فى النهاية إلى مركز الحكم، ربما يكون غير راض عنه، لكن ذلك لن يقلل بحال من الأحوال من تأثيره السلبى على شعبية النظام، خصوصاً فى ظل بيئة سياسية ذات طابع مركزى. فى اللحظات الحرجة تعلو قيمة «الحسابات السياسية»، ويتألق دورها كأساس لصناعة القرار، وفى لحظات اللخبطة والارتباك، تتوارى قيمة العقل والحكمة، ويصبح الحمق سيد الموقف!.