سليمان جودة
حتى يقولها الرئيس بملء فمه!
صدور قرار جمهورى بأن تكون توصيات لجنة استرداد أراضى الدولة مُلزمة لكل الأجهزة والجهات فى البلد، أمر يظل محسوبًا فى ميزان الرئيس، كما يظل خطوة جريئة من جانب الرجل !
وإذا كان المهندس إبراهيم محلب، رئيس اللجنة، قد قال فى أعقاب صدور القرار أن الهدف من ورائه هو دعم اللجنة فى أداء مهمتها، وفى استرداد حقوق الدولة، دون الاصطدام بالبيروقراطية، فالواضح أن هناك جهات بعينها كانت تعوق عمل المهندس محلب، وكانت بالتالى تقف فى صف الفساد ضده !
ولابد أن قرارًا جمهوريًا من نوع ماصدر يمثل ضربة قوية لتلك الجهات،ولابد أنها بعد صدور القرار قد وجدت نفسها فى مأزق، كما لابد كذلك أنها قد شعرت بأنها انكشفت، إن لم يكن أمام نفسها، فأمام الدولة ذاتها !
وقد كنت آمل أن يعلن رئيس اللجنة أن الجهات كذا، وكذا، تقف فى طريقه،أو أن تعلن الدولة ذلك نيابة عنه، إذا كان هو يجد حرجًا فى مواجهة مثل تلك الجهات..كان يكفى إعلان من هذا النوع، ليعرف المصريون، عندئذ، أى الجهات بالضبط يقاوم الفساد ويساند مقاوميه، وأيها بالضبط أيضًا يساند الفساد ويكافح مقاوميه ؟
لقد استردت اللجنة ٥٨ ألف فدان من أراضى الدولة المغتصبة خلال عدة أشهر لايتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، وقد باعت ٩٥٠ فدانًا فقط منها بـ١٦٤مليونًا فى أول مزاد لبيع الأراضى المستردة، بما يعنى أن حجم الأراضى المغتصبة هائل، وأن سعرها يصل لأرقام خيالية !
ولست أبالغ فى شىء، إذا قلت إن هذا القرار الجمهورى جزء أصيل من التعهد الذى كان الرئيس قد قطعه على نفسه وقت أن كان لايزال مرشحًا رئاسيًا بألا يبقى جهاز الدولة الإدارى على حاله، وأنا على يقين من أن الظروف التى سبقت صدور القرار، والتى لانعرفها على كل حال، قد وضعت أمام الرئيس بشكل خاص، وأمام صانع القرار فى البلد بوجه عام، نموذجًا صارخًا لما يمكن أن تفعله البيروقراطية بنا، ثم لما يمكن أن تلحقه بالدولة كلها من أذى بالغ !
ولذلك فالسؤال هو: إذا كان الرئيس قد أسعف المهندس محلب بقرار جرىء من نوع ما أصدره، وإذا كان بالقرار قد أبعد اللجنة عن مافيات الفساد فى الدولة، فما الذى سوف يفعله الرئيس، أو نفعله نحن فى حالات كثيرة مشابهة، ومتناثرة بامتداد الوطن، وتحتاج الى قرارت مماثلة، وربما قرارات أقوى، وأكاد أقول قرارات أعنف؟
الإجابة عن السؤال تعيدنا إلى تعهد الرئيس وقت أن كان مرشحًا، وتقول لنا بأفصح لغة أن ذلك التعهد هو البداية الحقيقية، وأن كل ماعداه فى هذا الاتجاه تحديدًا، قد يكون شيئًا جيدًا، بل هو جيد فعلًا، ولكنه أبدًا لايكفى.. وإلا.. فالسؤال الآخر هو: ماذا يفعل كثيرون مثل المهندس محلب فى أرجاء الدولة، يواجهون وهُم يقاومون الفساد، ما واجهه محلب ذاته، ؟.. هل سوف نصدر قرارًا لكل واحد منهم فى مجاله، وفى مكانه ؟.. وحتى إذا أصدرنا لكل واحد قرارًا منفصلًا، فهل سيكون هذا حلًا ؟
الحل أن نعود إلى تعهد الرئيس، أو بمعنى أدق أن يعود هو إليه، فهو حل كلى، ومن عند الجذور، وليس حلًا جزئيًا، وسوف يجدنا الرئيس جميعًا معه، والى جواره، لأنه حل فى صالح البلاد كلها، كما إنه حل سوف يسعفالرئيس بعد عامين من الآن، عندما يقرر أن يرشح نفسه لفترة ثانية، فيقف عندها ويقول بملء فمه، أنه قد تعهد بكذا، وأوفى به فعلًا !.. فتكون هذههى خير دعاية يدعو لنفسه بها بين ناخبيه !