محمد ابو الفضل
الصومال ينشد السلام لجنوب السودان !
ليست هذه مزحة، لكنها مفاجأة من العيار الثقيل، حيث استضاف الصومال الثلاثاء الماضى قمة رؤساء وزعماء الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة التصحر (إيجاد) للتباحث بشأن التوصل إلى حل للأزمة المشتعلة فى جنوب السودان، وإنهاء عقدة نشر قوة أممية فى العاصمة جوبا.
القمة عادية، لكن الغريب انعقادها فى الصومال بعد غياب دام 25 عاما، شهد فيها هذا البلد انهيارا فى غالبية مؤسس+++اته، وأصبح مقسما بشكل غير رسمى بين أقاليم متصارعة، وتحول إلى مسرح عمليات عسكرية لقوى دولية متباينة، ومرتع لجماعات إسلامية متشددة، ومطمع لعدد من دول الجوار، والأدهى أن أحد أسباب نكبته التدخلات السافرة من قبل بعض دول منظمة «إيجاد» التى تتكون من، إثيوبيا وأوغندا وكينيا وجيبوتى والسودان وإريتريا وجنوب السودان، فضلا عن الصومال.
قد تكون هذه المنظمة لعبت دورا فى تهدئة بعض الأزمات الإقليمية، غير أنها أخفقت بشكل ذريع فى وضع حد للأزمة فى الصومال، ليس فقط لأن هناك أطماعا لدى البعض فى هذا البلد، حيث أدت التدخلات المتواصلة إلى تأجيج الحرب بدلا من إطفائها، لكن أيضا لأن الدور الذى تقوم به هذه المنظمة يبدو مرهونا بإرادة قوى دولية، لها مصالح استراتيجية فى المنطقة، ترى أن بقاء الصومال على حاله، يحقق لها مكاسب أمنية وسياسية حاليا، واقتصادية فى المستقبل.
كان الدور الفعال الذى قامت به المنظمة فى السودان، بدءا من تسعينيات القرن الماضي، مدخلا لتعبيد الطريق لانفصال جنوبه رسميا عام 2011، حيث توافرت إرادة دولية قوية للوصول إلى هذه النتيجة، وجرى تقديم كل وسائل الدعم لتستمر «إيجاد» فى دورها الظاهر وبصورة محورية، ولأن هذه الإرادة لم تكن متوافرة بطريقة كافية فى حالة جنوب السودان، فشلت المنظمة فى التوصل إلى تسوية سياسية راسخة للأزمة الداخلية التى اندلعت منذ نحو عامين، بين الرئيس الحالى سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار.
وبدا المجتمع الدولى منقسما بين الزعيمين (كير ومشار)، الأمر الذى أرخى بظلاله السلبية على سير المحادثات التى رعتها المنظمة، ولم تفلح الوساطات الفردية من جانب بعض دول «إيجاد» فى وضع حد للحرب الأهلية، التى هدأت نسبيا عقب توقيع اتفاق أديس أبابا فى أغسطس من العام الماضي، ثم اشتعلت مرة أخرى بين الغريمين، وتجدد القتال، وبدت الأوضاع تخيم عليها أجواء قاتمة تنذر بعدم استبعاد امتداد نيران الحرب الأهلية فى جنوب السودان إلى بعض دول الجوار.
عندما رفض الرئيس سلفا كير قرار مجلس الأمن 2304، الذى قضى بإرسال قوات أممية إضافية لبلاده فى أغسطس الماضي، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية، التى حشدت لإصدار القرار، نفسها فى موقف غاية فى الحرج، لأنه من الصعوبة إرسال قوات لحماية العاصمة، بناء على طلب رياك مشار، دون الحصول على موافقة صريحة أو ضمنية من الحكومة الحالية فى جوبا، خشية أن يؤدى دخولها عنوة إلى تفاقم الاقتتال، والدخول فى مواجهات أشد عنفا مما هو حاصل الآن، كما أن القوات الإضافية سوف تتشكل غالبيتها من دول «إيجاد»، بالتالى كان من الضرورى البحث عن وسيلة لتنفيذ القرار، عبر محاولة إقناع الرئيس سلفا كير بجدوى القرار الدولي.
لذلك خصصت قمة مقديشو جانبا رئيسيا من قمتها للتباحث بشأن الأزمة فى جنوب السودان، متجاهلة أن الصومال البلد الذى يستضيف القمة أوضاعه أشد تدهورا، لكن على الأرجح أراد الفريق الذى يتحكم فى مفاصل منظمة «إيجاد» توصيل رسالة إيجابية للعالم، تشى بأن الأمن والهدوء والاستقرار قد عاد إلى هذا البلد المنكوب، وأن الحديث المتكرر حول نكبة الصومال وينبع من جواره ليس له ظل من الحقيقة، والدليل انعقاد هذه القمة، وطبيعة المناقشات التى جرت على طاولتها.
من الواضح أن ثمة توظيفا سياسيا لبعض المستجدات فى الصومال، حيث قطعت الحكومة الحالية شوطا فى سبيل بسط السيطرة على العاصمة، وبعض المناطق فى الوسط والجنوب، كما أن التوافق على إجراء الانتخابات البرلمانية الرئاسية خلال الأسابيع المقبلة، عزز الكلام الذى يتردد بشأن حدوث تقدم ملحوظ فى الصومال.
فى هذا الخضم، تم تجاهل وجود أقاليم فى الشمال لم يعد للحكومة سيطرة عليها من قريب أو بعيد، كما أن حركة شباب المجاهدين المتشددة تفرض نفوذها على بعض الجيوب الجنوبية، وهو ما يمثل قلقا للحكومة وبعض دول الجوار، كما أن التدخلات الخارجية فى أراضى الصومال بذريعة مكافحة الإرهاب لم تتوقف، علاوة على أن أجزاء ليست هينة يسيطر أو يتحكم فيها أعضاء فى «إيجاد».
المنظمة، كمؤسسة أو هيكل إداري، ربما لم تبخل عن الانخراط فى الأزمات التى عصفت، ولا تزال، بعدد من الدول الأعضاء، لكنها عجزت عن تقديم حلول إبداعية توقف نزيف الحروب، وحاول البعض من داخلها استغلال التوتر والترهل والتدهور فى شرق إفريقيا، لتحقيق أطماع تاريخية، على حساب الدور المفترض أن تقوم به «إيجاد» فى تسوية المشكلات والأزمات المستعصية، بدلا من إشعال فتيلها بطرق ملتوية، أفضت فى النهاية إلى حالة نادرة من الانفلات والفوضي، تهدد كيان الكثير من الدول الأعضاء فى المنظمة.
بالتالى أهم الخطوات التى يجب أن تقوم بها «إيجاد» التوصل إلى اتفاق عملى يمنع التدخل فى شئون دولها، والكف عن الانحياز لطرف على حساب آخر، والتخلى عن القيام بدور »مخلب القط« لصالح بعض القوي، التى ترى من مصلحتها بقاء الصومال، وإن أمكن السودان، كساحات للفوضي، حتى تتمكن من إعادة ترتيب الأوراق المبعثرة، بالصورة التى تساعدها على تحقيق أهدافها.
ربما يكون الصومال المحك أو الاختبار الفعلى الذى يجب أن تظهر على أرضه معالم هذا التوجه، فقد اندلعت أزمته، بعد نحو خمس سنوات من عمر «إيجاد» التى تأسست عام 1986، وأخفقت فى أن تتبنى سياسات جماعية، تعبر عن مواقف أعضائها، وتركت الأمور فى يد قوة أو أكثر تسيطر على مقاليد الأمور، وفقا لرؤيتها الأمنية وتقديراتها السياسية، لذلك لن يكون الصومال الفضاء المناسب لحل الأزمة فى جنوب السودان، ما لم يتمكن من لملمة جراحه وتجاوز العقبات التى تعترى بناء مؤسساته، بما يمهد إلى استعادة الدولة لقدر معتبر من وحدتها وعافيتها.