ليستا فقط العينان ولا الجوارح التي لا تُشتري.. أهم ما لا يُشتري الموهبة.. الإبداع.. أن تقفز فوق المألوف خارج صندوق الاعتياد والملل والتردي.. ما أحوج مسئولينا إلي ذلك.. ويبدو أنهم غير ذلك.. معظمهم إن لم يكونوا جميعا يسيرون علي قضبان قطار عتيقة في طريق خرب.. يضحكون في بلاهة.. يتلمسون معالم السائرين قبلهم: هنا ساروا.. دعونا نسير كما كانوا.
قبل أن أكتب.. كنت أقصد قلة بعينها.. بعدما كتبت العنوان اكتشفت أنني أقصد الجميع تقريبا.. قل لي اسم وزير أدهشك و"ملأ مخك".. قل لي اسم مسئول واحد قلت وأنت تقرأ له أو عنه "الله عليك"... كلهم كالذين عنيتهم من قبل ملفات فوق "الأرفف القديمة" غطاها التراب وأكلت الفئران حوافها. وربما أكلت داخلها.
نادرون أولئك الذين التقيت بهم ووجدتهم يفكرون.. ينتفضون في وجه الجهل والعفن واعتياد الظلمة.. لكنهم لا يكفون وطنا ينشد التقدم للأمام. وأيضا هم ليسوا من الصف الأول وربما ليسوا من الثاني.. يقفون في طابور بلا آخر في انتظار فرصة. قد يموتون ولا تأتي. فقد حجبها أولئك الواقفون كالأصنام. لا يعلمون وإن علموا لا يفعلون.
منذ أيام. وفي سهرة لا تخلو من حب الوطن. وفي حضور جمع من الأصدقاء. وكلهم مثقفون دارسون. تحدثنا عن حال البلد وإمكانية أن يحدث كل مسئول فارقا في الجهة التي يتولاها حتي لو لم تكن لديه امكانيات مادية.. عددنا معا نماذج لأعمال يمكن أن تنجزها قرارات ليس أكثر.. ما المانع إن طال العمل في بناء كوبري لعدة سنوات وأصاب الناس بالغم والهم أن تيسر لهم محاور بديلة بالاتفاق مع ذوي الاختصاص والخبرة والعلم.. ما الذي يمنع وجود عسكري عند كل تقاطع أو دوران بدلا من حالة الانفلات والفوضي.. ما الذي يمنع وقد رضخت للمقاهي وأثبتت سطوتها عليك أن تحدد لها مترا أو اثنين علي الرصيف بمقابل توجهه لخدمة الناس.. ما الذي يمنع أن تزرع شجرة هنا أو هناك.. كيف وأنت مسئول تمر ذهابا وإيابا علي أرض مغتصبة من الدولة بني عليها "الحرامية" مشروعات لا تعيدها إلي البلد وتوجهها لمنفعة الناس.
ما الذي يمنع المسئول من بناء مظلة للمرضي في المستشفي أمام العيادات الخارجية تقيهم قيظ الحر ومطر الشتاء.. ما الذي يمنع فرض ضريبة علي كل صاحب مطعم أو محل عصير امتلك الشارع وجعله جزءا من عمله.. ثم ما الذي يمنع مسئولاً ذهب لطمأنة الناس بأن الماء الذي يشربون منه ليس ملوثا. من أن يشرب مما يشربون.
ما الذي يمنع المسئول الكبير أو الأصغر منه. من الاستفادة من عائد تلك الأراضي الزراعية التي بني عليها الناس مشروعات وامبراطوريات. بدلا من الجباية من الفقراء الذين تشويهم الأسعار التي تزداد في اليوم الواحد أكثر من مرة للسلعة الواحدة.
ما الذي يمنع المحافظين من تشكيل هيئات استشارية من الشباب للاستئناس بآرائهم. بدلا من تركهم فريسة للبطالة والمقاهي. وحتي لو تحجج المسئول باختلافهم علي مائدة الحوار أو رغبة كل واحد منهم في الاستئثار بالقربي من صاحب السلطة. فلا مانع من الصبر وطول البال.
ما الذي يمنع الوزير من الاستماع للشكوي وقراءة ما نكتب عن الفساد لديه. وما الذي يمنعه من الاستغناء عن أناس لديه ورثهم من عهود سابقة. ويعلم أن آيادي معظمهم ملطخة بالفساد. وأنهم مسئولون بسوء أو حسن نية عما جري.. ما الذي يمنعنا من فتح النوافذ وطرد الذباب والتخلص من أمراض تلازمنا ونصر أن نظل مرضي بها. طالما بقي أولئك الفاسدون المفسدون.
يبدو أن ما يمنع. هو أن هؤلاء لا يملكون تلك الأشياء التي لا تُشتري.. لا يملكون الموهبة ولا الإبداع ولا العينين.
** ما قبل الصباح:
ـ ويمضي العيد تلو العيد
ويومًا لم تعد أمي
كما وعدت
أنا في البعد من يُذبح
وعيدي في القبر لم يُبعث.