البديل
جمال الجمل
وقفة العيد مع مصطفى بكري (حواديت العباسيين -15)
(1)

لم تترك لي سياسة اللصوص الاقتصادية، أي فرصة للتفكير في شراء خروف للتضحية في عيد الأضاحي، فأنا منذ سنوات أضحى بذبح علبة تونة، لكن العيد هذا العام كان كريما معي، وأهداني أضحية طالما شغلت بالي منذ سنوات.



(2)

الحكاية أنني كنت قد كتبت مقالاً منذ 13 سنة تقريباً، عن العباسي المراوغ مصطفى بكري، وضاع المقال من أرشيفي، أو بدقة أكثر: ضاع أرشيفي كله ومعه المقال، وكانت هذه من المرات النادرة في ذلك الوقت، التي أنتقد فيها زميلا بالاسم الصريح، وبلغة هجومية تفضح مانعرفه بيننا، وتقدمه كمادة مكتوبة لعموم القراء، ومن نفحات العيد أن أجد المقال الضائع بالمصادفة، وأنا استعد لكتابة الجزء الثاني من مقالي الطويل عن الدكتور عبد المنعم سعيد، فرأيت أن أؤجل مقال (ع.س) لما بعد العيد، وأن أضحي بمصطفى زتونة، بدلا من علبة التونة.. يا كرامات الله



(3)

أعرف مصطفى بكري عن بعد، منذ كان صحفيا صغيرا في دار الهلال، ولما تم فصله، توفر بكميات “مزروطة” في حديقة النقابة القديمة، ذات التاريخ الندي، ولشئ ما شعرته تجاهه، كنت حريصا على الابتعاد عنه، ودخلت في خلافات سياسية مع عدد من الأصدقاء الأعزاء من السياسيين والصحفيين، بسبب تعاطفهم واحتوائهم لمصطفى، ولما نال أول حزب ناصري ورقة الشرعية المسمومة، كحيلة من النظام لتفكيك الحركة الناصرية المعارضة، التي كانت تسبب إزعاجا لنظام مبارك، ولبعض أحزاب المعارضة المدجنة أيضا، هرول مصطفى إلى الحزب، واستعرض الكثير من مهاراته في التكتيك والتفكيك، والتأمر والخداع، والاتفاق ليلاً ثم الغدر صباحاً، واقترب مصطفى كثيرا من المستويات القيادية، لكنه ابتعد عن قلوب وعقول الكثيرين من المتعاطفين مع مظلمته التي كان يرتزق منها باعتباره من الصحفيين الذين دفعوا صمنا لمواقفهم المعارضة.



(4)

بعد أن طعن مصطفى رفاقه في الظهر، وخان اتفاقاتهم الانتخابية ضمن مراحل تشكيل الحزب العربي الناصري، لتحقيق طموحاته الكامنة في رئاسة تحرير الجريدة المنتظرة، والهيلمان المتوقع من وجوده في التشكيل القيادي للحزب الحلم في تلك الفترة، عاتبت قيادياً ناصرياً كبيراً: ألم أحذرك من التعاون مع هذا الشخص الميكيافيللي الذي لا عهد له؟

قال بمرارة: يبدو أن التسامح الذي أتعامل به مع مثل هذا الشخص، خطأ سياسي كبير وإن كنت لا استطيع أن أتخلص منه على المستوى الأخلاقي، لقد فكرت ليلة أمس فيما حدث، وقلت لنفسي أنني لن أنجح في العمل العام، إلا إذا تمكنت من تعليم نفسي كراهية هذه النماذج، وحتى الآن مازالت الكراهية صعبة على مثلي، حتى لو كانت لهؤلاء الوصوليين المخادعين.



(5)

على مدى كل تلك السنوات، منذ دار ذلك الحوار، لم يترك مصطفى فرصة إلا وهاجم ذلك القيادي، وواصل طعناته له في الظهر والصدر، في السر والعلن، فالحسابات تختلف في كل مرحلة، وبكري يعرف كيف يضبط أداءه على “الزبون الجديد، غير مكترث بتاريخ أو بفضيلة أخلاقية من نوع الصداقة أو العِشرة أو الزمالة، فالغاية عند هؤلاء ليست كما قال ميكافيللي “تبرر الوسيلة”، لكنها أيضا “تبرر الرذيلة”.



(6)

المقال الضائع عن مصطفى بكري كان بعنوان “ميكيافيللي والزبون”، ونشر عام 2003 في زاوية “تماهي” التي كنت أكتبها بإحدى الصحف العربية، تعليقا على مشاركة مصطفى بكري في مناظرة مع المفكر الكويتي الدكتور محمد الرميحي ضمن برنامج “أكثر من رأي” على فضائية “الجزيرة”، تتعلق بأزمة في العلاقات الكويتية الفلسطينية، بعد ما أثير من لغط حينذاك حول أسباب إرجاء زيارة أبومازن للكويت، على خلفية الأزمة الأشد المتعلقة بالملف الكويتي العراقي، وظهر بكري في اللقاء ناعما متودداً، ولم يتحدث بلغته الحماسية القديمة مهاحما الكويت ومدافعا عن العراق، ويومها عاتبت معد برنامج “أكثر من رأي” على استضافة الدكتور الرميحي قائلاً: كان يكفي أن يشارك مصطفي بكري فقط، لأنه وحده يمثل أكثر من رأي!.

(7)

أما نص المقال/ النفحة، وعلى الرغم من لغته الثقافية البعيدة عن سخونة وطزاجة المرحلة التي نمر بها الآن، فقد يكون من المفيد أن تعيد “البديل” نشره، لأن التاريخ والتوثيق هو أكثر ما يُفزع أولئك الأرزقية الجوالين.



(8)

كل عام وأنتم بخير… والعباسيين لأ

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف