أحمد بان
الإصلاح الجرىء وخطورة الطريق
بعبارات من نوعية “بالإصلاح الجرىء نقصر الطريق” و”الخوف والتشكيك يصعب الطريق” امتلئت شوارع القاهرة بلافتات تحملها، فيما اعتبر تمهيدا لأكبر خطة إصلاح إقتصادى يدعي البعض أنها تأخرت منذ رضوخ السادات لما سماه إنتفاضة الحرامية، ليتراجع عن تحرير أسعار بعض السلع والخدمات فى إطار توصيات سابقة لصندوق النقد الدولي.
لا يمكن أن يبقى أى مصرى وطنى شريف بمعزل عن أى سياسة جادة ورشيدة للإصلاح الاقتصادى والادارى، الذي لن يمر بالطبع عبر إجراءات تقشف يطالب بها المواطن فقط دون الحكومة، أو تمضى الى جانب بقاء الفساد على حاله ليلتهم فى النهاية أى إصلاح أو يبدد نتائج أى إنجاز.
نحن جميعا لسنا من هواة نشر الطاقة السلبية كما يتهمنا ابن الدولة، الذى قطعا ليس وحده ابنا لهذه الدولة بل نحن جميعا أبنائها، ومن حقنا أن نتحدث عن شؤونها وشجونها أفراحها وأتراحها.
يسعدنا تقدمها ورفاهية أبنائها ويسؤونا أى ضرر أو تأخر يصيب مسيرتها نحو المستقبل، ونحن نرى الإنجازات كما نرى الإخفاقات، لكننا لسنا جزءا من الموالاة فى البرلمان أو الصحافة أو الحكومة لنسوق تلك الإنجازات ونصفق لها، بل نحن عين الشعب التى يفترض أن ترى الإخفاقات وتنبه لها، الدولة لا تشكو قلة فى أعداد المطبلين على أية حال، لذا سنبقى نحن نقاوم أى سياسة أو سلوك لا يقود هذا البلد نحو ما يستحقه من مكانة تليق به وبتاريخه وبقدره وقدراته، التى نعلم أنها جبارة لكنها تعدم من يقدر على إطلاقها وبعثها.
نحن مع الجرأة فى الإصلاح حتى لو انطوت على تحرير أسعار بعض السلع والخدمات، لكن وفق رؤية مطمئنة تحظى بإجماع من الخبراء المختصين، وتتضمن بالقطع برامج لرعاية الطبقات الأكثر فقرا وإحتياجا، والتى ليست مؤهلة لأن تدفع المزيد من فواتير الفساد فى توزيع الثروة.
الجرأة فى الإصلاح تقتضى أن تبدأ الحكومة بنفسها فتكافح الفساد بهمة حقيقية، بتمكين أجهزة الرقابة من أن تمارس أعمالها دون عائق وبرعاية أكبر رأس فى الدولة، نريد أن يقدم وزير واحد لمحاكمة جادة، وكيل وزارة مدير عام موظف بأى درجة مؤثرة فى مافيا الفساد، حتى تشعر هذه المافيا بتهديد ما ويشعر المواطن بجدية ما فى مكافحة الفساد. نريد أن تمتد يد الإصلاح لمافيا الصناديق الخاصة، مغارة على بابا بتعبير بعض الاقتصاديين.
نريد قانون للإصلاح الإدارى لا يستثنى الوظائف العامة من قانون الوظيفة العامة، التى تضم رجال الشرطة والجيش والقضاء، وليتحمل الجميع نصيبه بعدالة فى فاتورة الإصلاح، فكلنا أبناء هذا الوطن لا فرق بيننا كما يقول الدستور فى الحقوق والواجبات، لا مجال للحديث عن قانون وظيفة عامة يستهدف إصلاح الجهاز الإدارى للدولة لا يمر عبر مقصلة تنهى أدوار مستشارين يلتهمون من ميزانية الدولة سنويا أكثر من 20 مليار جنيه، حيث تذكر بعض الإحصاءات أن الجهاز الإدارى للدولة يضم جيشا من المستشارين من ضباط سابقين وسفراء وخبراء قانون ومسؤولين سابقين بالدولة يقدرهم البعض ب 18 إلى 20 ألف مستشار!
الجرأة فى الإصلاح مطلوبة فى عدم العدوان على الدستور والحرص على التمكين، وليس الجرأة على تجاهله، بتعطيل إقرار قانون العدالة الانتقالية رغم إشتراط الدستور إقراراه فى الفصل التشريعى الأول والمنتهي منذ أيام قليلة.
الجرأة فى المجاهرة بأن القرار الذى يقضى بترقية 300 ألف موظف هو مجرد رشوة مقنعة ودخان كثيف لتمرير ذهاب ثلاثة ملايين موظف الى بيوتهم بسلام فى تقاعد مبكر، دون برامج تدريب تحويلى أو خطة ناجعة لتدوير البطالة المقنعة منهم برشد.
هل من الجرأة تأجيل انتخابات المحليات لمنح مزيد من الوقت لشبكات الفساد فى الإدارة المحلية لتبديد مزيد من الأموال فى أجهزة المدن والأحياء والقرى والمحافظات؟!.
لسنا من هواة الخوف أو التشكيك ولكننا نريد أن نرى استقامة فى القصد والسياسات والسلوك، تبرر الجرأة فى وضع يد الحكومة فى جيب المواطن، ضعوا أيديكم فى جيوبنا لا بأس ما دام من أجل مصر ولكن لتمتد يد الحكومة لجيوب الجميع عبر تطبيق عادل لقانون الحد الأقصى والأدنى للأجور، لايستشنى منه أحد فى أى مكان فى بر مصر، مكنوا الأجهزة الرقابية وطهروا السلطة التنفيذية من الفساد، خصوصا أداتها وذراعها الشرطة، التى يجب أن تمتد لها يد الإصلاح لأنها أداة تنفيذ القانون، وهى التى يخرج جل أفرادها عن هذا القانون فرادى وجماعات دون أى مساءلة من أى جهة.
العدل أساس الملك والشفافية دين الأمم المتقدمة وديدانها، أما الاستغفال وتكثيف دعاية التضليل والتجهيل بشراء القنوات والصحف، واختزال الفئات المدعوة لدفع ضريبة الإصلاح فى المواطن البسيط كالعادة، لتبقى الدولة عزب معزولة أو إقطاعيات يستثنى بعضها من أى أعباء، مقابل الحصول على كل المزايا فهذا مناخ لا يدع أحدا يطمئن لأى خطة إصلاح، أو يتفاعل معها دون خوف أو تشكيك؛ لأن الطريق دون كل ما ذكرناه سيبقى محفوفا بمخاطر قد لا تبدو منظورة أمام صانع القرار ولو امتلئت شوارع مصر بتلك اللافتات .