الخليج ما زال مصدومًا فى الصديق الباكستانى، والإعلام الخليجى بات يعدد أوجه الدعم الذى قدمته حكوماته لباكستان منذ تأسيسها، من دعم اقتصادى وسياسى، وحتى فتح الأبواب أمام العمالة الباكستانية فى كل دول الخليج، حتى إن صحيفة خليجية نشرت رسمًا كاريكاتيريًّا يمثل باكستان كرجل كسول ممد على سرير، ورجل خليجى يقف أمامه يقول له: «قم حارب» فلا يرد الباكستانى، ويشير إليه باليد الأخرى التى تضم رزمة من الأموال ويقول له: «خذ هذه المعونات»، فيفط الباكستانى من سريره متحمسًا.
بمعايير الكاتب السعودى جمال خاشقجى، لا يمكن اعتبار الإعلام فى الخليج حرًّا إلى درجة تغريده خارج سرب المواقف الرسمية لدوله، والوقائع والدلائل كثيرة جدًّا، لكنه للأمانة ظل فى أغلبه إعلاما متمسكا بشكل مهنى حتى وهو يعبر عن مواقف الحكم، فلماذا تصل المسألة إلى هذا الانفلات فى التعامل مع باكستان؟
يخوض الخليج معركة اليمن بمنطق «من ليس معنا فهو عدونا»، هذا هى الترجمة الحرفية للمواقف «الإعلامية» وبعض المواقف الرسمية من قرار البرلمان الباكستانى عدم المشاركة فى العمليات العسكرية فى اليمن.
هل باكستان عدو فعلاً؟
القرار البرلمانى تحدث صراحة عن دعمه السياسى للمملكة العربية السعودية، وأقر قانونًا يلزم الحكومة بالتحرك العسكرى الفورى عند تعرض أراضى المملكة لأى اعتداء، أو حدوث أخطار تهدد الحرمين الشريفين.
إذا كانت الدول الخليجية تعتقد أن وجودها مهدد، وأن أخطارًا استيراتيجية كبرى تحيط بها، فهل من المناسب خسارة صديق بأهمية باكستان لمجرد أنه لا يرى بنفس الدرجة واحدًا من هذه «الأخطار»؟
ثم يأتى من يتساءل: لماذا تربح إيران الحلفاء؟ ولماذا تنجح دبلوماسيًّا حتى فى مواجهة قوى الغرب التى حاصرتها بالعقوبات؟
لأن العرب عمومًا وليس الخليج فحسب يلعبون فى ميدان العلاقات الدولية بمنطق شخصى، على الأقل فى تعريفاتهم لمعانى الصديق والحليف، وفى تعريفهم كذلك لاستثماراتهم فى الدول الصديقة والحليفة.
هم يريدون الصديق المخلص، الذى يصادق من نصادقه ويعادى من نعاديه، لكن إن كان هناك صديق يحبك، ولا يرضى لك الأذى، ويتعهد بالدفاع عنك إن جرؤ أحد وحاول ضربك، فهل لا يكون صديقًا إن بادرت أنت بضرب أحدهم وطلبت منه اللحاق بك؟
بالعكس، لم تنزعج طهران من الموقف الباكستانى الأقرب سياسيًّا للخليج، والملتزم عسكريًّا بالدفاع عنه، لم ترَه فعلاً عدائيًّا، ربحت بالقطع عدم المشاركة الباكستانية فى العمليات، لكنها لم تتعامل مع إسلام آباد ولا أى دولة أخرى بمنطق «امنحنى كل شىء أو لا شىء»، لأنها تعتبر «أى شىء» مكسبا يمكن البناء عليه، بينما نعتبره نحن خسارة فادحة.
لذلك فشل العرب مثلاً طوال سنوات فى التعاطى السياسى مع التمدد الإيرانى، فشلوا فى تحييد روسيا، أكبر داعمى الجمهورية الإسلامية، وفى الحفاظ على شعرة معاوية واحدة مع النظام السورى، وفى بناء خطاب عربى راشد، غير متأثر بالعقدة الإيرانية والصراع المذهبى فى العراق، وفشلوا كذلك فى الاعتراف بأن كل قدم إيرانية فى المنطقة كانت نتيجة فراغ عربى، لأن المشروع غاب، فتفتت الدول، ولم يبقَ صامدًا فى المشرق سوى الخليج وعن يساره مصر.
سياسيًّا واستراتيجيًّا لم يخسر العرب باكستان، لكن التعامل مع إسلام آباد باعتبارها الصديق الخائن هو الذى سيخلق فى هذه البلاد فراغًا جديدًا تتقدم إيران لشغله بكل بساطة ودون جهد كبير.
بنفس المنطق تتعامل بعض الأطراف فى الخليج مع ما يجرى فى مصر من جدل وتفاعل حول المشاركة المصرية فى الحرب بتحفز بالغ، رغم أن أى صوت من الأصوات المعارضة للحرب لا يشكك فى ضرورة التزام مصر بالدفاع عن أمن الخليج، هنا المسألة تخضع لتقييم واقعى للأخطار، بعيدًا عن المبالغات السياسية، ولوجود بدائل للتدخل العسكرى المباشر من عدمه، ولوجود عملية سياسية لها ملامح واضحة يمكن بناؤها، ولوجود هدف سياسى للحرب، وتعريف شامل للأمن القومى العربى بآليات مستديمة وليست طارئة قد تنتهى بفض التحالف بين على عبد الله صالح والحوثيين. بين هؤلاء وباكستان وغيرهم اتفاق على هدف أمن الخليج، واختلاف فى الوسائل، لكن البعض يحترف صناعة الأعداء، وإخلاء المساحات للخصوم.