الأهرام
عائشة عبد الغفار
المشهد السياسى فى فرنسا قبيل الانتخابات
وصلت المدة الخماسية لرئاسة فرنسوا هولاند رئيس جمهورية فرنسا لمرحلتها النهائية بعد أن فشل اليسار فى مواجهة التحديات التى تواجه فرنسا حيث يرى الفرنسيون. أن الرئيس قد أضاع آمالا كثيرة وهو على وشك مغادرة الاليزيه، إلا إذا تحققت معجزة اقتصادية أو تراجع اليمين الفرنسى المتطرف، ومن المرتقب أن يتم معاقبة الاشتراكيين وحلفائهم أمام صناديق الاقتراع.. والرئيس هولاند الذى يتطلع لمدة رئاسية جديدة يحاول الالتفاف والدوران وإجراء عملية إسقاط على الظروف التى أحاطت بانتخاب الرئيس الراحل فرنسوا ميتران لفترة ثانية.. متبنيا برنامجا تكتيكيا للخريف المقبل فى حين أن رئيس وزرائه «مانويل فالس» سوف يجسد تواصل الدولة وضرورة إدارة البلاد بينما الكل مشغول بمستقبله السياسى وعلى رأسهم الرئيس الحالى.. ويرى المراقبون ان الحكم الحقيقى سوف ينتقل فى الأشهر المقبلة إلى «ماتينيون» مقر رئاسة الوزراء الفرنسى.. ويبقى المجداف الخلفى والضربات الجانبية والمناورة الانتخابية بالإليزيه ! ولذلك تتجه الانظار لإيمانويل فالس الذى كان لديه فرصة الاستقالة من منصبه خلال اللغط الذى جرى حول قضية سقوط الجنسية وخلال تفكيك قانون العمل.. ويرى الفرنسيون أنه كان يستطيع أن ينسحب مثل البطل الاغريقى «أشيل» ليعود وسط أنقاض المعسكر عقب مايو 2017.. أو التوجه نحو الانفصال بل الانشقاق مثل «بروتوس» ويطعن هولاند بعد أن ينتابه من الضعف ليقفز على الإليزيه ! وإنما فضل فالس الاستمرار حتى نهاية الطريق وأعلن إخلاصه ونزاهته لرئيس الدولة، وإنما فى الواقع هو أكثر إخلاصا لمؤسسات الدولة وللوطن وفقا لعقيدته السياسية ليحتل بعد ذلك موقعا انتخابيا متميزا.. والمقصد غير سهل لأن «فالس» سوف يضطر للوفاء بمسئوليته.. قد يغرق الرئيس هولاند ويبقى الرصيد لرئيس الوزراء الفرنسى. ولاشك أن إدارة دفة البلاد فى الوضع الحالى لفرنسا، مابين مخاطر الارهاب وأزمة الهوية وتراجع فرنسا الزاحف مهمة صعبة ولا تحظى بشعبية.. وإنما فالس يمثل فى نظر المواطن الفرنسى الاشتراكية الليبرالية التى تعترضها محاذير الإليزيه وحرب عصابات البرلمان.

إن رئيس وزراء فرنسا الذى يتمتع بذكاء خارق يضحى بحاضره لصالح مستقبله ويبقى اليوم ليعود بطريقة أفضل بعد الغد ! ويحاول الأخذ بتجربة رئيس الوزراء الأسبق «ريمون بار» عام 1981 كما يحول مشروعه «بما تينيون» إلى مصير رئاسى. متطلعا الى تطوير الاشتراكية على أسسه الايديولوجية الخاصة.. ويرى المحللون أن مدة رئاسة هولاند الخماسية ليست إلا نهاية للدورة «الميترانية» ولم تكن البداية الحقيقية للقرن الاجتماعى الديمقراطى الحادى والعشرين وإذا انهزم اليسار الفرنسى العام المقبل فسوف يختفى بين الجانبين النقيضان تاركا يمينا واسعا يدير البلاد بينهما.. وهذا ما فعله الديجوليون على حقبة زمنية ممتدة.

كما يستطيع أيضا اليسار أن يولد وينطلق من جديد فى إطار إيضاح ايديولوجى كبير يواجه فيه مؤيدى الاقتصاد الموجه ودولة العناية الإلهية وإعادة توزيع الرأسمال، نصراء المؤسسات الحرة والمسئولية الفردية وتكوين الثروات.

إن مؤتمر الحزب الاشتراكى المقبل فى يوليو 2017 سوف يمثل لحظة حقيقية للمصارحة والصدق وفى انتظاره فإن رئيس الوزراء الفرنسى يجب أن يغلق ملف الميزانية الأخيرة وأن يحيى بعض الشىء النمو الاقتصادى وأن يحاول تفادى عمليات إرهابية جديدة وألا يستسلم للقدر و «فالس» الذى يحمل اسم الرقصة الرومانسية الشهيرة يسير على منحدر وعر.. وهو أقرب الى أكروبات يترنح على الحبل بخطوات ضيقة ومحسوبة بعيدة أن تكون خطوات الفالس التى تفسح المساحة أمام الراقص الأنيق ! وليس بغريب أن يقود الآن حملة إعلامية واسعة يتناول فيها قضايا الاسلام والجمهورية والهوية والبطالة والجولة الأولى للانتخابات الفرنسية وهى عبارة عن رصيد جماعى وليس مشروعا شخصيا. ولعل من أهم ما استوقفنا فى أقواله أخيرا المثيرة للجدل أهمية بناء اسلامى فرنسي وأوروبي من خلال تقاليد وقيم الغرب ! ويؤكد ان فرنسا خرجت من مرحلة عدم اكتراث وتواجه حربا ولابد من تعبئة جميع المواطنين من أجل الدفاع عن الوطن.. وهو يطالب بوطنية جديدة وتبقى أهم مشكلة فى فرنسا قضية الجماعات السلفية، حيث إنه لا ينكر أن السلفيين قد حققوا نجاحا إعلاميا على شبكات التواصل الاجتماعى ولابد من ردعهم من خلال إجابة يقدمها الاسلام نفسه والذى تساعده فرنسا فى القيام بدوره فى مواجهة التحدى الذى يمثله الاسلام الراديكالى والجهاديون. وفى النهاية يرى «فالس» أن الاسلام يتماشى مع الجمهورية الخامسة التى تراعى المسلمين الذين سوف يجدون الدولة دائما الى جانبهم وإنما لابد أن يؤكدوا تضامنهم المطلق مع العلمانية.. ويبدو هنا أن فالس يمهد لحملة هولاند الانتخابية للرئاسة الثانية واستقطاب أصوات مسلمى فرنسا المعتدلين.

نعم لقد بدأت الحملة تحتدم فى حقبة زمنية تعانى فرنسا فيها مشكلات الهجرة والارهاب والانقسامات وليس بغريب أن يشارك الرئيس السابق فى الجولة الاولى لانتخابات اليمين ويقدم كتابه الثانى «كل شىء لفرنسا» عقب كتابه فى يناير الماضى «فرنسا للحياة». وإذا كانت استقصاءات الرأى العام تضعه وراء «آلين جيبيه» النجم السياسى الصاعد خلال انتخابات النصف الثالث من نوفمبر المقبل، فإن جريدة ليبراسيون تؤكد «أن أسوأ شىء أنه يستطيع ان ينجح» وفى تصورى أن مارى ليبين زعيمة التيار اليمينى المتطرف سوف تنجح فى الجولة الاولى كما أكدت لى مصادر دبلوماسية عليمة بالعاصمة الفرنسية خلال زيارتى الأخيرة أن جميع المرشحين لديهم فرص.. حتى الرئيس هولاند ! وإن كان قد يون «جيبيه» الحصان الرابح وإنما تبقى العلاقات المصرية الفرنسية مزدهرة مع أى تغيير يطرأ على الإليزيه لأنها علاقات مؤسسية وتاريخية وثقافية ممتدة عبر الزمان والمكان.. ولا ننسى أنها تميزت بالحميمية فى عصر هولاند ولقد لمسنا عشقه لمصر خلال الاحتفال بقناة السويس الجديدة وتفقده يخت المحروسة التاريخى وخلال أيضا إبرام اتفاقيات تعاون عسكرى بين البلدين. ويبقى ملف التأشيرات وإقامة المصريين الشرعية يتطلب مرونة أكبر من قبل فرنسا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف