التحرير
طارق الشناوى
خطيئة «الميكس»!
اندهشت وتعجبت من تلك الحالة التى باتت تشكل مع الأسف حالة ولا أقول ظاهرة ولكنها حالة -أتمنى أن لا تتجاوز مرحلة الحالة- إلا أنها فى السنوات الأخيرة تكررت مع عدد من الصحفيين الذين ينتسبون إلى بلاط صاحبة الجلالة، لكنهم تحولوا إلى مندوبى دعاية لعدد من الشركات السينمائية والغنائية، كما أن بعضهم تخصص فى العمل لحساب عدد من النجوم.

من حق الصحفى أن يختار الطريق، إما أن يصبح مندوب دعاية دوره هو تزويق النجوم، وإما يعمل صحفيا ينقل فقط الحقيقة دون محسنات طعم ولون ورائحة، إذا كان الصحفى يرى أن المهنة التى التحق بها فى البداية لا تدرّ عليه أموالا تكفيه، ولا تحقق له الاكتفاء الذاتى فليس أمامه إلا أن يتركها إلى مهنة أخرى، ولا بأس حتى لو كانت العمل كمندوب دعاية لشركة أو فنان، إلا أن الجمع بين العمل الصحفى والدعاية خط أحمر لا ينبغى لأحد اختراقه، أعلم بالطبع أن شركات الدعاية تفضّل التعامل مع صحفى محترف لا يزال يعمل فى بالمهنة، وليس مجرد مندوب دعاية رغم أن القاعدة المستقرة هى «دونت ميكس».

إنهم فى العادة يفضّلون من له منصب مرموق فى الجريدة أو المجلة حتى يستطيع توجيه الدعوات للصحفيين والنقاد، وربما أيضا يعمل له الزملاء خاطرا عند الكتابة عن الأغنية أو الفيلم اللذين يروِّج لهما، كما أنه يحيل المطبوعة التى يكتب فيها إلى محطة لإطلاق قذائف دعائية، معتقدا أنها سوف تروّج للعمل الفنى الذى صارا خادما له، كل هذا أتابعه وأرصده، ولكن هذه الممارسات تخصم من الصحفى أهم أسلحته وهى مصداقيته، وتطيح أيضا بالجريدة التى يكتب على صفحاتها. الغريب أن عددا من الصحف على اختلاف أطيافها قومية، حزبية، خاصة، تعايشت مع هذه الظاهرة رغم كل ما يحيط بها من محاذير، وأصبح القائمون على المطبوعة يعرفون جيدا أنهم يتعاملون مع صحفيين ولائهم لهذا الفنان أو تلك الشركة قبل الجريدة، ورغم ذلك لا يزالون يفسحون لهم مساحات النشر، إنه خطأ فادح، والصحيح أن نقول فاضح تقع فيه هذه الجرائد التى لم تدرك أن الدعاية هى أول أسلحة اختراق مهنة الصحافة، وكان عليها أن تضع سورا خرسانيا أمام الصحفى يمنعه من التسلق إلى الجريدة، وعليه أن يواصل فى موقعه الذى اختاره بمحض إرادته.

نعم طوال تاريخ الصحافة الفنية هناك تجاوزات متكررة حتى كبار الفنانين، أمثال عبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش، وغيرهم، كان لهم فى الصحافة والإعلام مندوبون يحصلون على أجور أو هدايا، مقابل أن يواصلوا الكتابة عنهم أو يواصلوا بث أغنياتهم، وأحيانا كانت أقلامهم تتحول إلى سكاكين تطعن منافسيهم، إلا أنه فى المقابل كان يحاول هؤلاء نفى التهمة -كانوا يعتبرونها فى الماضى تهمة- أما الآن فلقد تحولت إلى وسام على صدر بعض الزملاء يتباهون ويتفاخرون به، معتبرا أنه صار الراعى الرسمى لتلك الفنانة أو هذا الفنان، إنه اختراق واضح المعالم والقسمات، إلا أنه -ومع الأسف- لم يعد يثير دهشة أغلب القيادات الصحفية، وتلك هى «أُم المشكلات»!!

ربما يرى البعض هذا المقال خاصا جدا يتناول مأزقًا تعيشه الصحافة الفنية أو حتى الصحافة كلها، والحقيقة هى أنه يتجاوز كل ذلك إلى ما هو أبعد، إننا فى واقع الأمر نتناول الحياة بكل تنويعاتها، لأنه عندما تُخترق الصحافة والإعلام ويتم تجاوز الأعراف والتقاليد، يدفع الجميع الثمن، ونرى أمامنا أعمالا فنية وفنانين صنعهم الإعلام بينما يرفضهم الجمهور، هم على واجهة الأغلفة، بينما الحقيقة أن الناس لا تصدقهم ولا تصدّق الصحافة التى تمارِس وبمنتهى البساطة وبضمير مستريَّح خطيئة «الميكس»!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف