تناولنا جذور البكورية فى المجتمعات الشرقية القديمة، واتضح أن هذه الحضارات أخذت بنظام البكورية في اللاهوت، والكهنوت، والنبوة، ونظام الحكم، وداخل الأسرة، وأن بعضها قنن امتيازات الابن البكر فى القوانين، واتضح أنه كان يرث وظيفة ومكانة والده، وتبين أن بنى إسرائيل تأثروا بهذا النظام وعملوا به، لكن قبل ان نوضح امتيازات الابن البكر، علينا أن نعرف كيف يكون الوضع إذا لم يوجد الابن البكر؟، ماذا لو لم ينجب الرجل الذكور؟.
فى مصر الفرعونية توصلوا لعدة حلول، منها أن يتزوج أحد أبناء الأسرة المالكة بولية العهد(الابنة) أو أرملته أو شقيقته ليرث العرش، وفى حالة عدم وجود هؤلاء ينسب بنوته للإله الأكبر، ويحصل على تفويض منه بالحكم.
«أوسر كاف» كان من الفرع الثانوي لعائلة «خوفو»، ولكى يقوى مركزه تزوج من «خنت كاوس» إحدى أميرات سلالة الأسرة القديمة التي سبقته، وعندما توفى «أمنمحات بن أمنمحوتب الأول»، خلفه على العرش «تحتمس الأول»، وهو ابنه لكن من زوجة ثانوية بعد ان تزوج من «أحمس» أخت «أمنمحوتب الأول».
ولما توفى «تحتمس الأول»، وكان ابنه مازال صغيرا، قيل إن والده سبق وشاركه فى الحكم، وأن «آمون» نصبه كى يصير ملكا، لكن زوجة أبيه حتشبسوت لم تترك له العرش، وسعت للحصول على صك وصاية تحت دعوى صغر سنه، وعندما اطمأنت لقوة مركزها وكثرة مُريديها، نحت الغلام وبررت هذا بقصة روجها أتباعها: «أن الإله أمون رع أنجبها بنفسه أو من روحه، وأن أباها البشرى تحوتمس الأول أرتضى هذه البنوة وأعلنها شريكه له فى الحكم خلال حياته، وأوصى لها بالملك بعد مماته».
ولكي يؤيد تحتمس الرابع حقه فى العرش بين عدة أخوة من أمهات مختلفات، أشاع قصة عرفت اصطلاحاً باسم قصة الرؤيا، مؤداها أنه حدث فى إحدى رحلات صيده للغزلان بصحراء الجيزة، أن آوى إلى الظل بجوار تمثال أبو الهول، وأخذته سنة من النوم، رأى الإله فيها يتحدث إليه بلسان مبين ويقول له: ولدى تحتمس، تأملني فأنا أبوك، إنى واهبك ملكى على الأرض لتصبح سيداً على الأحياء، وستكون لك الأرض بطولها والعرض وكل ما تضيئه عين رب الكل … وهأنذا موليك فكن حفيظاً على شئوني.
أما خوفو فقد كرس أمره على أن يخلفه ولده الأكبر «كاوعب» على العرش، غير أن كاوعب هذا مات قبل وفاة أبيه بقليل، فانقسمت الأسرة إلى ثلاثة فروع، فرع أبناء الزوجة الرئيسية «أم كأوعب»، وفرع من زوجة ثانية ترأسه جد فرع، وفرع من زوجة ثالثة ترأسه خفرع، فى نهاية الصراع استطاع جد فرع أن يفوز بالعرش، وذلك بزواجه من أرمله أخيه ولى العهد القديم كاوعب، ليزكى حقه فى العرش، وهذه الحيلة كانت تسمى فتح بيت البكورى، ويقوم فيها الأخ التالي للبكورى بالزواج من أرملته، لينجب ابنا ذكرا باسم المتوفى، هذا اذا كان البكورى قد توفى قبل إنجاب وريثه بكره، وهذا العرف كان سائدا فى بلاد النهرين، وأخذه شعب بنى إسرائيل، وسنه موسى على الشعب في سيناء .