أمينة خيرى
الصنفرة والمزمار فى عودة السياحة
يقول الخبر إن مطار شرم الشيخ استقبل أول طائرة تابعة للخطوط الجوية التركية مقبلة من إسطنبول وعلى متنها 154 سائحاً من جنسيات مختلفة، وذلك بعد توقف للرحلات الجوية التركية استمر نحو 11 شهراً. خبر أثلج صدور المصريين (باستثناء فئات باتت معروفة لا تتمنى إلا الخير لجماعاتها التى هى فوق الوطن والبلاد والعباد). فالجميع يعرف أن قطاع السياحة فى حال يرثى لها، وذلك بعد سقوط الطائرة الروسية التى أقلعت من شرم الشيخ فى أكتوبر الماضى. والجميع يعرف أن حركة السياحة ضربت فى مقتل ومعها ملايين الأسر المصرية التى تعيش على هذا القطاع. لذا، فإن وصول الطائرة التركية كان بالفعل حدثاً كبيراً أطرب الجميع. لكن ما لم يطرب كثيرين هو ما ذيل الخبر من «استقبال الطائرة بالمزمار البلدى والتنورة والموسيقى الشعبية التى استهلت العزف والرقص ما أن لمست عجلات الطائرة أرض المطار». الفرح جميل، واستقبال الضيوف بحفاوة ظريف، وتمنى أن يستمر الغيث لطيف، لكن ما هو أجمل وأظرف وألطف هو أن نستعد للسياحة بشىء آخر غير المزمار البلدى. فمن غير المعقول أن نستقبل السائح العائد بالطبل والمزمار والرقص وهذه المظاهر الجميلة فى المطار، ثم نكفر سيئاتهم ونطلع عينهم وننضح عليهم بكل ما أوتينا من بلطجة وعشوائية وفوضوية وقدرة على التحرش والنصب والاحتيال ما أن تطأ أقدامهم الأرض خارج المطار، وأحياناً داخل المطار. جميل المزمار البلدى، لكن الأجمل لو كنا استثمرنا الوقت الضائع فى «صنفرة» ما يحتاج صنفرة، وهو ما لم يحدث. بل حدث ما هو أسوأ، إذ شبت أجيال خلال السنوات الست الماضية، وتحديداً منذ ثورة يناير، على قواعد اللاقواعد. فالقاعدة العريضة فى مصر أصبحت «اعمل ما بدا لك»، فلا قانون، ولا محاسب، ولا مراقب. وإذا كنا كمصريين نأمل أن يكون هذا الوضع المزرى مؤقتاً، وأن ينبرى من بين الصفوف أحد أو فئة أو مجموعة قادرة على إنفاذ القانون على الجميع دون استثناء، وتطبيق القواعد بحذافيرها، ونشر النظام حتى النخاع، فإن غير المصريين لن يتحملوا الفوضى وقلة القيمة كثيراً، لا سيما أن هناك من البدائل العشرات. صحيح أن مصر عامرة، بل متخمة، بما لذ وطاب من صنوف السياحة، إلا أن السائح لن يغامر بأعصابه وسلامته وإجازته وربما حياته لمجرد أن مصر بلد جميل. رحلة قصيرة إلى دهب فى إجازة عيد الأضحى المبارك أسعدتنى وأقلقتنى فى الوقت نفسه. فالطبيعة فى مصر خلابة، حتى فى الجبال، وهذه سياحة فى حد ذاتها. وحركة البناء والتشييد الدائرة رحاها فى صمت وجدية وسرعة على الطرق السريعة من القاهرة إلى جنوب سيناء تثير الإعجاب والتبجيل. لكن تبقى عين الرقابة الساهرة، وقوة القانون النافذة غائبتين إلى حد كبير. فعلى الرغم من لجان التفتيش والأكمنة العديدة على الطرق، والتى تعطى المسافر إحساساً إيجابياً بالأمان، إلا أن عين إدارة المرور الغافلة أو المتغافلة أو المصابة بعطب ما تحتاج تدخلات جراحية عاجلة، فسيارات النقل بأنواعها لا تكتفى فقط بالتناحر والتسابق على الطريق فيما بينها، وبينها وبين بقية السيارات، لكن منها ما يجد فى نفسه من الجرأة (فى أقوال أخرى البجاحة) ما يدفعها إلى السير دون لوحات أرقام. والعجيب والغريب والمريب والمفزع أنها تمر مرور الكرام من العديد من الأكمنة. أما الطريق مثلاً من طابا إلى نويبع، حيث الطريق يسير فى الاتجاهين وسط منحنيات الجبال الخطرة، فإن السائقين من شتى الأنواع يتعاملون معها تعاملهم مع لعبة السيارات المتصادمة فى الملاهى. يجتاز أحدهم الآخر فى الملف أو على مطلع معرضاً حياته ومن معه ومن حوله للخطر دون ضابط أو رابط، هذا ناهيك عن ندرة الالتزام بالسرعات المقررة على الطريق، وأغلبها لا يزيد على 90 كيلومتراً فى الساعة نظراً لخطورة الطريق. أما الرادار فلم أر له أو للجانه أثراً من قريب أو بعيد. وبعيداً عن الطريق والمرور -وهى إحدى آفات مصر الكبرى- أعود إلى السياحة المغدورة. فدهب تقدم نوعية من السياحة «البديلة» التى لم تكن تجذب فقط نوعيات بعينها من السياح الباحثين عن سياحة غير فارهة وفسحة غير فاخرة وهدوء بصخب محسوب وحسب الرغبة والاحتياج وقدر من حرية الحركة دون عيون المتلصصين أو ألسنة الحشريين، بل أصبحت تجذب قطاعات من الشباب المصرى فى السنوات القليلة الماضية. دهب الجميلة شكلاً وموضوعاً تفتح ذراعيها للجميع دون شروط. وهى تقدم بحق سياحة «بديلة» لا مثيل لها فى مصر، حيث الحياة البدوية الأقرب إلى الفطرة والبدائية جنباً إلى جنب مع الغوص والسباحة والسفارى دون أن يجور أحدها على الآخر، ودون أن يشعر السائح أو الزائر أنه يميل إلى أحدها أكثر من الآخر. صحيح أن من يقود السيارات نصف النقل، وسيلة الانتقال الوحيدة المتاحة فى دهب وللانتقال من منطقة غوص إلى أخرى، هم فى الأغلب أطفال دون سن الـ14 عاماً، حتى إنهم يطالون المقود وبدال البنزين والفرامل بالكاد، وصحيح أن منهم من يقود اللنشات فى عرض البحر متحكمين فى حياة المئات يومياً، إلا أنها تبقى جوهرة على مصر أن تفخر بها وتعتنى بها. فلا اللوحات الضخمة التى تستعرض إنجازات المحافظ فى عهد الرئيس مع صورتين ضخمتين لكل منهما، أو المزمار البلدى كفيلتان باستمرارية السياحة حال رجوعها، الضامن هو المواطن الذى يعرف كيف يتعامل مع السائح ومع ثروات بلده.