الأهرام
عبد الغفار شكر
كما كنت
تتعدد الاوامر التى تحرك الطوابير العسكرية مثل «صفا» و«انتباه» و«للامام مارش» ونداء «كما كنت» الذى يأمر الطابور العسكرى بالعودة الى الوضع السابق. ويلح على كثيرا عندما أتأمل المشهد السياسى الراهن فى مصر كما لو ان نداء «كما كنت» قد صدر للمجتمع فبدأت الأحوال تتغير فى كثير من المجالات.

ومن يراقب المشهد السياسى الراهن فى مصر لا يصدق ان هذا الشعب قام بثورتين وان شبابه كانوا فى غاية الاهتمام ببلدهم والتعبير عن ارائهم ومواقفهم مما تشهده مصر. ولكنهم اليوم قد انسحبوا من الساحة السياسية والجماهيرية. وهذا التطور فى موقف الشباب وقطاعات جماهيرية مؤثرة مثل العمال والمثقفين يعود بالدرجة الاولى الى سياسات اتبعت فى السنوات الأخيرة كان من نتيجتها هذا التطور السلبى رغم ان المجتمع المصرى كان قد بدأ فى 25 يناير 2011 مرحلة جديدة من تاريخه هى مرحلة الانتقال من نظام سلطوى الى نظام ديمقراطي. وما يتطلبه ذلك من تعزيز التعددية السياسية وحرية التنظيم بإلغاء القيود على تأسيس الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى فضلا عن إتاحة الفرصة لوسائل الإعلام ان تعزز فى ادائها هذه التعددية وحرية التعبير. ونتيجة لذلك تأسس اكثر من 100 حزب سياسى وارتفع عدد منظات المجتمع المدنى بشكل ملحوظ كما اتسعت مساحة البرامج الحوارية فى وسائل الاعلام وشهدت متابعة كبيرة للمناقشات التى تدور بين ضيوفها. ورغم ما شهده المجتمع المصرى من صراعات فان التوجه الى الديمقراطية كان ملحوظا وقد انخرط مئات الالوف من المواطنين فى العملية السياسية حيث استخدم اليات ديمقراطية للضغط من اجل تعزيز عملية التحول الديمقراطى فى الوقت الذى شهد تغيرا فى موقف السلطة من هذه العملية وما اتخذته من مواقف معاكسة للتحول الديمقراطى.

كان صدور قانون التظاهر وما تضمنه من فرض عقوبات قاسية على المتظاهرين وصلت لحد السجن ما بين 3 الي7 سنوات ودفع غرامات تصل الى 100 الف جنيه وطبق القانون على الشباب الذين تظاهروا ضد صدور هذا القانون وهم شباب مسالم لم يلجأ للعنف ولكنه كان يتطلع الى ان تتمتع مصر بمزيد من الحريات. كما طبق هذا القانون على الشباب الذى خرج للاحتفال بذكرى ثورة 25 يناير وكانت مواجهة اجهزة الامن لهم قاسية فاستشهدت شيماء الصباغ ووجهت الاتهامات الى زملائها من المثقفين والسياسيين ولولا ضغوط الرأى العام التى استفزها هذا الموقف لكانوا الان فى السجون لكن القدر كان ارحم بهم فقد برأهم القضاء من التهم التى وصفتهم بها أجهزة الامن فى اول درجات التقاضى وفى الاستئناف. كما تم مواجهة الشباب الذى نظم وقفة احتجاجية امام نقابة الصحفيين وفى بعض الميادين الاخرى للتعبير عن رأيهم ان جزيرتى تيران وصنافير مصرية وصدرت ضدهم بالفعل احكام بالسجن بضع سنوات وغرامة 50 الف جنيه ومازالت القضايا منظورة امام القضاء وصحب هذا كله عمليات قبض عشوائى من الشوارع والمقاهى والبيوت ولكن ضغوط الرأى العام ادت الى الافراج عنهم. وبذلك ضاق المجال العام امام النشطاء السياسيين وانسحبوا من المشهد السياسي. وقد تواكب هذا التطور السلبى مع متغيرات شهدتها أجهزة الاعلام لكى تكون فى خدمة السياسات الحكومية فتوقفت بعض البرامج الحوارية (برامج التوك شو) وانسحب بعض الاعلاميين حتى لا يتحملوا وزر ما سوف تقوم به وسائل الاعلام فى خدمة المواقف الحكومية الجديدة.

وفى توجه معاكس لما نص عليه الدستور من ان النظام السياسى فى مصر يقوم على التعددية الحزبية اذا بنا نفاجأ بقانون انتخابات مجلس النواب الذى يتضمن اجراء الانتخاب بالقائمة المطلقة ل120 مقعدا والانتخاب الفردى لباقى المقاعد وهو نظام انتخابى ردئ كان من نتيجته هذا التشكيل الذى شهدناه لمجلس النواب والذى لا يعبر عن التعددية الحزبيه المطلوبة، فقد حرمت العديد من الاحزاب من التمثيل فى مجلس النواب بما يعكس التعددية الفعلية القائمة فى المجتمع. كما ان عدم اذاعة جلسات المجلس تليفزيونيا حرم الناخبين من متابعة مواقف النواب الذين منحوهم اصواتهم لكى يحاسبوهم على أدائهم. ومما يلفت النظر بشدة ان المجلس بهذا التشكيل لم يصدر قانونا مؤثرا مما تقدم به الأعضاء من مشروعات قوانين فى الوقت الذى اصدر كل ما تقدمت به الحكومة من مشروعات رغم حاجة المجتمع الى بعض القوانين التى تقدم بها الاعضاء.

وفى اتجاه المزيد من التضييق على النشطاء واغلاق المجال العام تقريبا تعرضت منظمات المجتمع المدنى وخاصة المنظمات الحقوقية لهجمة شرسة وصلت الى حد اتهامها بالعمالة للخارج واصابتها بالشلل تقريبا.

هذه نماذج لمواقف حكومية من قضايا الحريات والتعددية السياسية والحزبية وحرية وسائل الاعلام واداء المجلس النيابى والتى تدلل كلها على موقف حكومى معاكس لعملية التحول الديمقراطى ورغم ذلك فاننا واثقون من ان مصر التى خرجت فى مشهد غير مسبوق فى العالم كله يوم 25 يناير تنشد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لن تتراجع عن النضال من اجل استكمال التحول الديمقراطى المنشود مهما كان الثمن باهظا ولن تعود مصر ابدا الى وضع «كما كنت».

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف