الوطن
د. محمود خليل
«مش هنشحن»..!
مجموعات كبيرة من رواد مواقع التواصل الاجتماعى دشنت حملة تدعو إلى التوقف عن شحن كروت الموبايل بعد ارتقاع أسعارها، عقب تطبيق ضريبة القيمة المضافة. الحملة تتبنى مطلباً أجده جديراً بالنظر، هو أن تتحمل شركات الاتصالات دفع هذه الضريبة، أو فى أقل تقدير تتحمل نسبة معتبرة منها. وقد لقيت الحملة تأييداً واسعاً من مئات الألوف من المستخدمين، خصوصاً بعد التصريحات التى جاءت على لسان مسئولين، وتشير إلى أن الضريبة سترفع أسعار المحمول بنسبة تزيد قليلاً على 22%.

من المعلوم أن بيزنس الاتصالات فى مصر يعد من أهم مجالات الاستثمار، بل بإمكانك القول إن أهم قطاعين استثماريين فى مصر، هما قطاع الاتصالات، وقطاع العقارات. وتحقق شركات الاتصالات إيرادات سنوية تبلغ 35 ملياراً، فى بعض التقديرات. الشركات التى تحصد مليارات الجنيهات مكاسب كل عام تريد أن تحمل المواطن قيمة الضريبة المضافة.. فهل هذا عدل؟. لماذا لا تتنازل عن جزء ولو يسيراً من أرباحها، وتشارك المواطن فى تحمل الضريبة، تقديراً منها للظرف الاقتصادى بالغ الحرج الذى تمر به كل من الحكومة والمواطن؟. تقديرى أن الضغط الشعبى على هذه الشركات يمكن أن يؤتى أكله وأن يحقق أهدافه ويضطرها إلى الاستجابة لمطالب حملة «مش هنشحن».

هذه الشركات حصدت من المواطن المصرى الكثير، وليس عيباً أن تساهم فى تخفيف آثار المحنة الاقتصادية التى يعانى منها، خصوصاً أنها لا تمنحه خدمة تنطبق عليها المواصفات العالمية، بل على العكس، تعطيه خدمة رديئة بسعر عالمى، وهى مفارقة أصبحت تستحق التوقف هى الأخرى، سواء فيما يتعلق بخدمات خطوط التليفون أو بالإنترنت. وهى تستغل فى ذلك كسل الدولة، وتراخى جهاز حماية المستهلك فى حصد ما تريد من أرباح مقابل خدمة لا تتمتع بالمستوى المطلوب من الجودة. سوق الاتصالات فى مصر سوق كبيرة، وتشير التقديرات إلى أن عدد خطوط المحمول لدينا تقترب من 100 مليون خط، وهو رقم كفيل بتحقيق أرباح سماوية لشركات الاتصالات، ورغم ذلك فإن حجم ما تنفقه هذه الشركات على تجديد البنية الأساسية لها لا يتجاوز المليار جنيه سنوياً!.

تمدد وتوحش سوق الاتصالات فى مصر يرتبط بآفة تسيطر على المصريين، اسمها «آفة الرغى»، وهى آفة تتغذى على الفراغ والفكر الاستهلاكى المسيطر علينا. شركات الاتصالات تستغل هذه الآفة أشد الاستغلال، وتعزف على وترها كل العزف. ولست أنسى إعلاناً شهيراً لإحدى الشركات، استلهم أغنية صلاح جاهين «حلوة يا بلدى»، وكان الإعلان يقول: «نحب نتعرف.. ورانا إيه ورانا إيه»؟.. ليس لنا من وراء، اللهم إلا شركات الاتصال التى تقف فى ظهر كل مواطن يمسك بجهاز الموبايل، ويتحدث فيه بالساعات دون أى داع، ومن غير أن يكون مضطراً إلى ذلك، لتقول له: «لقد أوشك رصيدكم على النفاد».. ثم «لقد نفد رصيدكم».. ثم «بإمكانك استخدام خدمة «سلفنى شكراً»، وادفع يا مواطن. ظنى أن هذه الحملة لو تواصلت، فسوف تنجح فى تحقيق أهدافها، وفى كل الأحوال شىء جيد أن نتخلص من آفة «الرغى فى الموبايلات» ولو لبعض الوقت..!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف