يوسف القعيد
إسرائيل الأمريكية .. أمريكا الإسرائيلية
أرجو ألا تكون زحمة الأخبار قد مكنت الخبر الخطير الذي حدث الأربعاء الماضي ونشر باقتضاب في صحف الخميس الماضي من أن يتوه بعيداً عن الأعين وألا تتم متابعته بالقدر المطلوب من اليقظة والانتباه.
وقبل الخبر أقول إنني لا أفرق بين الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلي. لا من حيث التوجه ولا المشروع ولا الأهداف. فعلي الرغم من أن أجيالاً في مصر خرجت للحياة وهي تعيش علي النمط الأمريكي. وكثير من المصريين يحلمون بالهجرة إلي أمريكا. ويكفي منظر السفارة الأمريكية بالقاهرة في اللحظات الأولي من الصباح والطوابير تقف في انتظار فرصة الحصول علي تأشيرة الجنة.
حملت لنا الأخبار أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال بعضمة لسانه ان هدف الاتفاقية الجديدة الحفاظ علي أمن إسرائيل لأنها توجد في منطقة خطرة. وأن الخطر يحيط بها من كل جانب. طبعاً لم يتحدث رئيس أكبر دولة في العالم عن الخطر الذي تمثله إسرائيل. والتهديد الذي تعلنه إسرائيل كل صباح للمنطقة كلها. وليس لجيرانها المباشرين فقط.
الاتفاقية تقضي بأن تقدم أمريكا لإسرائيل 38 مليار دولار علي مدي 10 سنوات تبدأ من سنة 2018. وذلك في أعقاب اتفاقية استمرت لمدة 10 سنوات. قدمت أمريكا بموجبها لإسرائيل 30 مليار دولار. ورغم أن أوباما قال ان الاتفاقية الجديدة تمنع أي جهة أمريكية من أن تقدم أموالاً أخري لإسرائيل. إلا أن الكونجرس أعلن في نفس اليوم تقريباً عن تقديم خمسة مليارات دولار لإسرائيل وذلك من أجل تطوير برنامجها الصاروخي.
خرجت إسرائيل لتقول ان هذه الاتفاقية يجري التفاوض بشأنها علي مدي عشرة أشهر سابقة. وأن التفاوض جري بتكتم شديد. وسألت نفسي بسذاجة مفرطة كيف لم تعرف دولنا وأجهزتنا الأمنية وسفاراتنا المنتشرة في كل مدن الولايات المتحدة الأمريكية بخبر هذه المفاوضات. وكيف تمكن الشيطان الأمريكي وحليفه الشيطان الصهيوني من إتمام هذا الاتفاق بعيداً عن أي معرفة وعن أي متابعة؟!
لا يتصور أحد أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية كانت تبدو أمامنا سمناً علي عسل. فقد تحفظت أمريكا في الفترة الأخيرة أكثر من مرة علي بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة في فلسطين المحتلة. وتحفظت أكثر من مرة علي ما يعلنه نيتانياهو في كل خطاب له عن التوسع في إنشاء المستوطنات مستقبلاً. ويبدو أنه تحفظ متفق عليه بينهما.
كنت أتصور أن الحزبين الأمريكيين الكبيرين لا بد أن يختلفا حول أي قضية من القضايا ولو لمجرد الرغبة في الاختلاف. وهذا موجود فعلاً إلا عندما يقترب الأمر من العدو الإسرائيلي. فبعد هذا الاتفاق قالت وسائل الإعلام ان الحزبين متفقان حول دعم إسرائيل رغم خلافاتهما في كل شيء.
قمة المأساة أن يخرج المعلقون السياسيون ومعظمهم من الأشقاء العرب الذين يعملون في مراكز الأبحاث الأمريكية. أحدهم كانت لديه الشجاعة ليقول ان في أمريكا ولايات فقيرة. بل وتحتاج إلي هذه المساعدات أكثر من إسرائيل. والولايات المتحدة لا يعنيها الولايات التي لا تجد قوت يومها وتسارع لتقديم ما لديها من الأموال لإسرائيل حتي دون أن تطلب ذلك.
الصلف والغرور الصهيوني يجعل الدولة العبرية تعلن أن نيتانياهو لن يوقع علي هذه الاتفاقية الجديدة إلا قبل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد. لأن أوباما الذي اختتم حكمه لأمريكا بهذه الفضيحة المدوية ليس من حقه أن يوقع عليها.
ليس هدفي من هذه الكتابة إثارة الرعب. وتخويف الناس من العدو الإسرائيلي. وتحويله إلي كيان يتحكم في الدنيا وكل ما فيها. فنحن لدينا قدرة فريدة علي التصديق أن هؤلاء الناس يتحكمون في المال والإعلام. وهما عصب الحياة التي نحياها. وحتي إن كان هذا صحيحاً. فأنا أعتقد أن المحنة تكمن في النظام الأمريكي. لا أقول الحضارة الأمريكية. فهم لا حضارة لديهم. ولكن نظام حياة يكاد يخلو من أي بعد أمريكي.
ولنا في التاريخ ملاذ وعبرة. فعندما طلب عبد الناصر من البنك الدولي تمويل إنشاء السد العالي. وكانت أمريكا أكبر مساهم في البنك. فإن أمريكا أرسلت له من يحمل إليه رغبتها في أن يفكر في الاعتراف بالعدو الصهيوني تمهيداً لإقامة علاقات دبلوماسية معه. طبعاً رفض عبد الناصر وأوصلته حكمة التاريخ ومكره لتأميم قناة السويس ليتمكن من إنشاء السد العالي.
هل تغير شيء في معطيات الصورة؟ نعم، نحن الذين تغيرنا. لأنه بعد إعلان الصفقة لم يتحرك عربي واحد للتعبير عن رفضها. ولم تفكر حكومة من الحكومات العربية - وما أكثرها - في القول لأمريكا ان ما تقوم به جاوز حتي حدود العقل. أخشي ما أخشاه أن بعض الحكومات العربية ربما هنأت إسرائيل سراً. وحملت التهاني لأمريكا علناً بهذا الاتفاق الجديد الذي ليس له معني سوي اغتيال ما تبقي من الشعب الفلسطيني بعد أن تعرض لما تعرض له منذ 1948 حتي الآن.