عبد الرحمن فهمى
فروة الخروف.. وسيارة الإسعاف
انتهي عيد الأضحي المبارك.. ولم نسمع نفير سيارات الإسعاف كما تعودنا منذ أكثر من نصف قرن.. ما علاقة العيد بسيارات الإسعاف؟؟؟.. كانت سيارات الإسعاف منذ كنا أطفالاً في المدارس كانت السيارات تطوف كل الشوارع في معظم الأحياء لتجمع فروة الخرفان منذ صباح أول أيام العيد.. ليس في القاهرة فقط بل في عواصم المحافظات قبلي وبحري.. بل كانت العائلات تشتري من يوم الوقفة شوال الخيش لتضع فيه فروة الخروف وتطوف سيارات الإسعاف ثم تقف في ميدان أو وسط عدد من العمارات وتطلق نفيرها المميز هنا ويهرول البوابون أو الأبناء يحملون أشوال الخيش إلي السيارة وقد تمتلئ السيارة فتأتي أخري بعد فترة أو في اليوم التالي وهكذا طوال أيام العيد الأربعة!!!
***
ما علاقة الإسعاف أو الطب عموماً بفروة الخروف!!
منذ أكثر من نصف قرن أسأل نفسي هذا السؤال ولا أجد له إجابة حتي كتابة هذه السطور..
وطبعاً.. كان الناس يعطون فروة الخروف للإسعاف بدون مقابل.. بل أكثر من هذا.. كان الناس يعطونها بحب وفرح.. لأنها أولاً من عادات وتقاليد هذا العيد ثم الإسعاف كانت تؤدي خدماتها بأقصي سرعة ومجاناً.. وإذا كنت مصراً أن تدفع شيئاً هناك صناديق الإسعاف في عدة أماكن في كل العواصم ممكن أن تضع فيها ما تريد دفعه.. بل الأكثر من هذا.. بجزء من هذه الصناديق يتم شراء الأدوية العامة المطلوبة لأي مريض أو مصاب!! يلجأ للإسعاف!!
اختفت هذه الصناديق.. أو هكذا معلوماتي.. واختفت معها كل المعاني الحلوة.. الحب والشهامة والوفاء والحميمة بين الناس.. الآن.. رجل الإسعاف قبل أن يرد السلام يطالبك ب 250 جنيهاً.. نعم.. مائتان وخمسون جنيهاً لكي يتحرك وينقل المريض إلي المستشفي.. قد يكون رجال الإسعاف معزورين فهذه هي التعليمات التي يجب أن ينفذوها وإلا تمت مؤاخذتهم!!.. بل هذا هو الأرجح.
وأصبح السؤال هو:
لماذا لا تترك الدولة قطاع الإسعاف كخدمة عاجلة مجانية للناس.. كل الناس.. ولا أقول محدودي الدخل.. العبارة التي انتشرت بلا حدود ولا معني.. كلنا أصبحنا محدودي الدخل والكثير أصبحوا معدومي الدخل.
***
هل تعلمون معني كلمة "إسعاف"؟؟
إسعاف من فعل يسعف.. يعني ينجد يعني ينقذ يعني يلحق مصاباً أو غريقاً أو نزيفاً.. وبسرعة.. كلمة إسعاف تعني سرعة إنقاذ ملهوف!!
قد تكون هيئة الإسعاف بريئة من قائد السيارة التي طلبت مني 250 جنيهاً قبل أن تتحرك.. قد تكون سيارة المستشفي.. بل ربما يكون هذا هو الأرجح.. في هذه الحالة يجب علي الدولة أن ترفع "كلمة إسعاف" من فوق زجاج السيارة!! فهذا يسئ لهيئة الإسعاف.
***
سأروي لكم حكاية قديمة..
كنا في "الجمهورية" نصدر ملحقين رياضيين بالألوان يومي السبت والاثنين عقب مباريات الجمعة والأحد.. وكان الفنانان الكبيران ماهر داود ونبيل السلمي يرسمان في نصف الصفحة الأخيرة كاريكاتير ملوناً ساخراً مضحك عن أحداث المباراة.. وخلال السباق مع الزمن لإصدار الملحق سمعنا صوت سقوط شيء ثقيل علي الأرض.. اتضح أن المرحوم ماهر وهو يرسم من فوق الكرسي المستدير العالي سقط علي الأرض بلا حراك ولا كلام وعيناه مفتوحتان علي الآخر لطمنا علي خدودنا.. الشاب ضاع.. حملناه إلي مركز الإسعاف في وسط البلد وهو قريب جداً من الجريدة.. أخذ حقنة فقام واقفاً.. صرخنا وتعانقنا وبكينا كعادتنا في البكاء في الفرح والحزن معاً.. الطبيب المقيم عرفنا من صورنا بالجريدة.. وأعطي أدوية مع حقنة أخري لماهر.. حسابنا كام؟؟.. عيب.. الإسعاف لا يتعاطي مقابلاً.. هل تعود هذه الأيام.. وهل نعرف ما قيمة فروة الخروف طبياً بعد كل هذه السنين؟؟