المساء
مؤمن الهباء
شهادة - حق الفقراء
أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي ثمانية أحكام بإلغاء قرار رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي السلبي بالامتناع عن صرف تكاليف الانتقال لثمانية أطفال ومرافقيهم بواقع خمسين جنيهاً عن كل جلسة غسيل كلوي من منزل كل منهم حتي مقر المستشفي الذي يعالجون فيه البالغ مقدارها ثلاث جلسات أسبوعياً بإجمالي 600 جنيه شهرياً.. وألزمت رئيس التأمين الصحي بالمصروفات.
في تقديري.. هذا الحكم الذي نشرته "الأهرام" يوم الجمعة الماضي يمثل نقلة نوعية في تاريخ التأمين الصحي وفي تاريخ القضاء الإداري علي حد سواء.. فهو من ناحية يؤكد مسئولية التأمين الصحي ليس فقط عن علاج المواطن وإنما عن توفير وسيلة انتقال آمنة وصحية للمواطن المريض ومرافقه إلي حيث يكون العلاج.. خاصة إذا كان العلاج من نوع جلسة الغسيل الكلوي.. فإذا لم يوفر التأمين الصحي وسيلة الانتقال فلا أقل من أن يدفع تكاليفها.. ومن ناحية أخري يؤكد الحكم أن قضاءنا الإداري يتفاعل مع الحالة الثورية التي يعيشها المصريون منذ أن خرجوا إلي الشوارع والميادين يهتفون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. ويعمل علي إصلاح التأمين الصحي ودوره في المجتمع وتعديل نظرته إلي المواطن المريض.. فمازال القائمون علي التأمين الصحي يتصورون أنهم يتفضلون علي المريض بالعلاج.. وأن من حقهم أن يعذبوه ويتعالوا عليه.. وجاء هذا الحكم ليرد الأمور إلي نصابها.
وقد أكد الحكم في منطوقه أن "حق الفقراء في العلاج ليس منحة من الحكومة".
وأصدرت المحكمة نفسها حكمين آخرين بإلغاء قرار رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي السلبي بالامتناع عن صرف عقار "آفاستين" للتلميذ المريض بورم سرطاني بالمخ.. وكذلك إلغاء قراره السلبي بالامتناع عن صرف عقار "بيتافيرون" للتلميذة المريضة بمرض تصلبات متعددة.
هذه النوعية من الأحكام ترسخ لثقافة جديدة.. ثقافة حق المواطن الفقير في الرعاية الصحية الكافية.. لمجرد أنه مواطن.. بصرف النظر عن قدراته المادية.. وهذا الحق ليس منحة من الحكومة ولا من الوزارة ولا من هيئة التأمين الصحي التي جاءت الأحكام لتعالج قصور القرارات السلبية لرئيسها.. فدائماً قراراته ـ كما تري ـ هي الامتناع.
وفي الأسبوع الماضي أيضاً قرر المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء تخصيص رقمي تليفون تابعين لمركز المعلومات بمجلس الوزراء لتلقي الشكاوي الخاصة بعدم التزام أي منشأة طبية جامعية أو خاصة أو استثمارية بتقديم خدمات العلاج مجاناً لحالات الطوارئ.. وهذه خطوة أخري في الاتجاه الصحيح وتستحق التشجيع.. أملاً في الوصول إلي اليوم الذي يكون العلاج فيه حقاً مكفولاً لكل المصريين.. وأن تغطي شبكة الرعاية الصحية والتأمين الصحي الفلاحين في القري والنجوع واليتامي والأرامل والفئات غير القادرة من العمال والموظفين.. فهذا حقهم وليس منحة من أحد.
أعرف أنه ليس من الصواب التعليق علي حكم القضاء سلباً أو إيجاباً.. لكننا بشر.. وأحياناً نفرح كالأطفال عندما نري بقعة ضوء وسط الظلام لأنها تحيي في نفوسنا الأمل.. وهذا بالضبط ما فعله قاضي محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية.. إنه يطمئننا بأن المستقبل أفضل إن شاء الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف