نيوتن
عندما يُحيرنى سليمان جودة
إذا كان هناك شبيه للكاتب الكبير الراحل أنيس منصور فى كتاباته فإن أقربهم لذلك هو سليمان جودة. الأسلوب المباشر والتمسك برشاقة التعبير. أول ما لفت نظرى فى كتاباته تعليق حاد نشره حول أحد كتب الأستاذ هيكل رحمه الله. كان ذلك قبل 20 عاماً.
لكن لا مانع أن يصيبنى سليمان بالحيرة. بالأمس كتب مقالاً فى زاويته التى أطالعها منذ اليوم الأول لصدور «المصرى اليوم». جاء تحت عنوان: «انتبهوا جيداً». الكلام لم يكن موجها إلى المواطنين بل كان موجها للدولة المصرية. موجها لكبار المسؤولين فيها.
أصاب سليمان فيما قاله أمس. أتفق معه تماما. يوم 2 سبتمبر الماضى اختلفت معه عندما كتب عن وزير التموين السابق. اعتبره مُداناً قبل أن يحاكَم. لكنه فى الوقت ذاته يرفض إدانة أى رجل أعمال قبل أن يحاكَم.
كنت أرجو أن يمد سليمان الخط على استقامته. أن يطبق الكلام ذاته على وزير التموين. ألا ينساق وراء ماكينة الدعاية التى أُديرت بغير منطق ضد الرجل. الذى لم يكن يريد شيئاً سوى الإصلاح. سوى الخروج من المنظومة القديمة التى تسمح لمافيا القمح بالعمل والانتعاش. حيث يمكنهم النفاذ من ثغرات المنظومة البالية. التى فشلت جهود الوزير فى تغييرها. الآن خرج الوزير: فماذا نحن فاعلون؟ المشكلة مازالت قائمة. تتفاقم. فماذا بعد؟ هنا أختلف مع سليمان جودة. لم يدفعنى هذا الاختلاف حينها للتعليق. لكن مقاله بالأمس أصابنى بالحيرة. هذا ما دفعنى لكتابة تعليقى.
نبه سليمان إلى خطورة الدور الذى يقوم به جهاز الكسب غير المشروع. تَصَدّره لموضوع المصالحات مع رجال الأعمال. ووجوده بهذا الشكل وبتلك الصيغة فى وطن ينشد الاستثمار. ويسعى لجذب المستثمرين. لا نريد لهذا الجهاز الذى تجتمع فيه كل هذه الخبرات القانونية والعملية أن يكون شبيهاً بلجنة تصفية الإقطاع. وُلدت بداية عام 67. اختفت تماماً عقب النكسة.
أتفق مع سليمان فى التساؤلات التى طرحها. على أى أساس بالضبط يجرى مثل هذا التصالح، ومَن بالضبط الذى عليه أن يقول إن فلاناً من أصحاب الأعمال قد حصل على كذا على وجه التحديد من المال العام، وإن عليه أن يعيده؟!
نعم إن القضاء من خلال محاكماته العادلة هو وحده الذى له أن يقول ذلك. وفيما بعد المحاكمة وفيما بعد إدانة فلان من رجال الأعمال أو علان يصبح للمصالحة، أو التصالح مكان.