تعد مصر الدولة الوحيدة التى تحشد وتنقل الهتيفة عبر البحار والمحيطات لمساندة رئيسها، وهذه الظاهرة المخجلة والمؤسفة بدأت على استحياء فى عهد الرئيس مبارك، واستفحلت فى عهد الرئيس السيسى، حيث تقوم الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع بعض رجال الأعمال ورجال الدين بحشد العشرات ممن تتوفر بهم مواصفات الهتيفة، والقيام بنقلهم إلى البلد الذي يسافر إليه رئيس الدولة، وتتحمل مؤسسات الدولة وبعض رجال الأعمال نفقات سفر وإعاشة وانتقالات الهتيفة، كما تتحمل نفقات الصور واللافتات التي يحملونها.
للأمانة نذكر بأن ظاهرة حشد الهتيفة بدأت فى حكم الرئيس جمال عبدالناصر، حيث كانت الأجهزة بالتنسيق مع الاتحاد الاشتراكى تقوم بحشد الهتيفة للوقوف على الطرقات التي يمر بها الرئيس، وأذكر أنهم كانوا يجمعون الهتيفة أمام مقرات الاتحاد الاشتراكى، وكانت الأتوبيسات تنقلهم للمواقع التى سيصطفون ويهتفون بها، وأذكر كذلك أن قيادات الاتحاد الاشتراكى كانوا يوزعون على الهتيفة وجبات طعام ومياه شرب وغازية، بعد مرور الرئيس من الطريق ينكس الهتيفة الأعلام، ويطوون اللافتات ويجرون صور الرئيس ويصعدون الأتوبيس الذي سبق ونقلهم، وأمام مقر الاتحاد الاشتراكى ينزلون ويسلمون العهدة: الصور، اللافتات، الأعلام.
وبحمد الله وفضله أصبحت هذه العادة سنة، استنت بها الأجهزة فى عهد الرئيسين السادات ومبارك، وعندما تولى الرئيس محمد مرسى، اقتصرت حشود الهتيفة على شباب الجماعة فقط وتم استبعاد النخب.
بعد ثورة 30 يونية اعتقدت الأجهزة أن الرئيس يحتاج إلى ظهير شعبي يسانده فى رحلاته الخارجية، فجماعة الإخوان تحشد رجالها وتترصد الرئيس في كل زياراته ويصطفون أمام مقر إقامته وأمام المباني الحكومية التي يزورها ويهتفون ضده ويطالبون بعزله، فتفتق ذهن أجهزتنا الرشيدة عن فكرة التظاهرات المضادة، حشد بعض الهتيفة من القاهرة والبلدان التي يزورها الرئيس واقتيادهم للاصطفاف في مواجهة حشود الإخوان.
وبالفعل قامت الأجهزة بحشد العشرات من الفنانين والإعلاميين والسياسيين والدبلوماسيين والصحفيين ورجال الأعمال والكتاب، كما كلفت الكنائس المصرية بحشد بعض من شعوبها فى دول المهجر، ونقلت لنا وسائل الإعلام صور اصطفافهم وجزءا من هتافاتهم خلال زيارات الرئيس إلى مقر الولايات المتحدة لأول مرة، وزيارته إلى ألمانيا وفرنسا وإنجلترا، نفس الشيء، بعد مرور عدة سنوات من استقرا النظام، تكرره اليوم الأجهزة بالتنسيق مع بعض رجال الأعمال، وقيادات الأوقاف، والكنيسة، ورؤساء روابط المصريين بالخارج، وتم بفضل الله تسفير مجموعة كبيرة من الإعلاميين، ورجال الدين، والبرلمانيين، والصحفيين، والفنانين، والسياسيين، والدبلوماسيين لكي يصطفوا غدا أمام مقر إقامة الرئيس ومقر الأمم المتحدة، وهم يحملون اللافتات وصور الرئيس، ويهتفون بملء حناجرهم، ربما وصل صوتهم إلى رؤساء بلدان وحكومات أمريكا وأوروبا، وكأن هؤلاء يعتمدون في آرائهم وقراراتهم على حجم حشود الهتيفة ونوعية هتافاتهم.
السؤال: لماذا لم يستعن رؤساء العالم بالهتيفة فى رحلاتهم الخارجية لكى يثبتوا شعبيتهم وحكمة سياستهم؟، وهل بمقدور الهتيفة أن يغيروا القناعات السياسية لبعض البلدان؟، وهل بالهتيفة تحمى الأنظمة وتصان هيبة الحكام وتقاس شعبيتهم؟