مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة أرسل تعقيباً على مقال الجمعة الماضى (الحج إلى كربلاء)، جاء فيه: «إن الصحف السعودية نشرت- الأكذوبة الكبرى- بخصوص حج الإيرانيين فى كربلاء فى هذه السنة، بناء على فتوى من سماحة السيد على خامنئى، حفظه الله، وقد نفى مكتب رعاية المصالح ذلك فى حينه، حيث إن الحج شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، كُتب على مَن استطاع إليه سبيلا».
وأضاف: «أما زيارة الحسين عليه السلام (فى يوم عرفة) فالأحاديث والروايات واردة فى عظيم ثوابها وأجرها، تزود بها المشتاقون من محبى أهل بيت النبى، صلى الله عليه وسلم، على مر القرون، وفى كل عام يقومون بزيارة المرقد المطهر لسيد الشهداء فى يوم عرفة، ومقولة تبديل فريضة الحج بالزيارة المستحبة بمراقد أهل البيت كذب عظيم، يصب فى إطار الفجوة بين المسلمين».
وأضاف أيضاً: «إن عدم كفاءة السعودية وتقصيرها، وعدم تأمينها لحجاج بيت الله الحرام، وخلق العقبات، هو السبب الرئيسى لعدم أداء مسلمى إيران لفريضة الحج هذا العام، على الرغم من أن إيران قامت بكافة جهودها، الفنية وغير السياسية، لاتخاذ التدابير اللازمة، حتى يستطيع الحجاج تأدية المناسك، إلا أن السعودية تصر على تسييس هذه الفريضة للأسف، علاوة على أنها تستخدم الإعلام كأداة دعاية غير عادلة، لتظهر إيران وكأنها مقصرة، وتسعى إلى التهرب من مسؤوليتها الشرعية والدولية».
هذا مجرد جزء من الرد، أو التعقيب الإيرانى، الذى يؤكد ما أشرنا إليه فى المقال السابق، وهو أن الأوضاع أو العلاقات بين البلدين، «السعودية وإيران»، قد وصلت إلى الحد الذى ما كان يجب أن يكون أبداً، لا فى استخدام الألفاظ والتعبيرات، ولا فى توجيه الاتهامات، ولا فى الإجراءات التى تم اتخاذها بالفعل على أرض الواقع، والتى من أهمها على الجانب السعودى، منع الإيرانيين من أداء الفريضة، وعلى الجانب الإيرانى، إرسال الحجاج إلى كربلاء كبديل للحج، حتى وإن كان التعقيب الإيرانى قد استخدم هنا فقط تعبير «الثواب العظيم» لذلك الإجراء أو هذه الزيارة، فى يوم عرفة تحديداً.
ما أستطيع قوله فى هذا الصدد هو أننى سمعتُ بأذنى، وشاهدت بعينى رأسى، من علماء الشيعة، مَن يقولون: إن مثل هذه الزيارة تعادل مائة حجة، أو مائتى حجة، أو ستمائة حجة، وهكذا الروايات فيما بينهم كثيرة فى هذا الشأن، وكلها للأسف استناداً إلى أحاديث نبوية، لا أدرى شيئاً عن سندها، إلا أن إخضاعها للعقل والمنطق يمكن أن يودى بنا إلى جدال لا ينتهى، وروايات ما أنزل الله بها من سلطان، وفى كل الأحوال هى مهمة العلماء، إذا أردنا البحث فى الجانب الدينى.
نحن هنا نعنى بالجانب السياسى، الذى دخل بالمنطقة إلى دوامة الطائفية، بل انتقل منها إلى مواجهات دموية، بدءاً من اليمن، مروراً بسوريا والعراق، وليس انتهاء بلبنان، أو كل دول الخليج العربية بلا استثناء، حيث النار تحت الرماد فى معظمها، بعد أن بدا واضحاً أن الانتماء الطائفى قد يكون أقوى من المواطنة، لدى الغالبية العظمى من المواطنين هناك، وإلا فما تفسير ما يجرى بمملكة البحرين، أو المنطقة الشرقية بالسعودية نفسها، أو حتى الكويت فى بعض الأحيان، إضافة إلى طبيعة الصراع بين إيران ودولة الإمارات، أو طبيعة العلاقات بين السعودية وسلطنة عمان.
أعتقد أننا كان يجب أن نُعول على الدول العربية، وحتى إيران، فى إصلاح ذات البين، بين السُنّة والشيعة، فى بلدان أخرى خارج المنطقة، مثل باكستان وأفغانستان، كان يجب فى مثل هذه المرحلة تحديداً التنسيق بين الدول العربية وإيران، فى كيفية إظهار قيم التسامح الإسلامية، للعوالم الأخرى، كان يجب العمل على نشر المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامى، فى ظل ذلك التطرف الحاصل من بعض الجماعات، واستغلال الآخرين له ولهم فى آن واحد.
أما وقد بلغت الأمور مداها، إلى الحد الذى أخذ شكل مواجهات مباشرة، وغير مباشرة، هنا وهناك، وسقوط أرواح ونزيف دماء، على مدار الساعة، فى أكثر من قُطر، بتمويل ودعم سعودى وإيرانى، لم يعد يقبل التشكيك، فإننا أمام أزمة أنظمة بالدرجة الأولى، هى فى حقيقتها أخلاقية ودينية وسياسية، لم تعد مقبولة بأى شكل من الأشكال، وفى الوقت الذى كان يجب أن تتصدى لها الشعوب، إدراكاً لحقيقة الموقف، رأينا للأسف متطوعين على الجانبين، من خلال فتاوى دينية تحريضية، أكثر منها استناداً إلى أى شريعة، سوى شريعة الغاب والنفاق.
أعتقد أن ما يدور على الساحة الشرق أوسطية الآن، ممثلاً فى تلك الفتنة الطائفية بالدرجة الأولى، ينطلق من تنفيذ ذلك المخطط الخارجى، الذى أُعد سلفاً، استكمالاً لاتفاقية سايكس بيكو (1916)، والتى نصت فى نهايتها على المراجعة، وتصحيح ما بها من ثغرات بعد مائة عام (2016)، وهو الأمر الذى أصبح أكثر وضوحاً مع التقسيم على أرض الواقع للعراق، والتقسيم الفعلى لسوريا، والتقسيم الطبيعى لليمن، ثم ذلك المخطط الخاص بليبيا، وقبل ذلك السودان، والآن جاء الدور من جديد على منطقة الخليج، مع عقوبات أمريكية، وترتيبات روسية، وتفاهمات إيرانية بدأت برفع العقوبات، ثم ذلك الثواب العظيم لزيارة كربلاء «فى يوم عرفة» تحديداً، ولله الأمر من قبل ومن بعد.