السمع والطاعة بلا تفكير أو نقاش حق للخالق وحده على المخلوق، والتفكير المتأنى ثم تحديد الموقف بالرفض أو القبول، هو الأسلوب الأمثل لتعامل الإنسان مع البشر وغيرهم من مخلوقات الله. ذلك هو الدرس الأكبر الذى لو وعاه آدم عليه السلام لما خرج من الجنة، فعندما أمره الله تعالى ألا يأكل من الشجرة سمع وأطاع، لكنه خضع بعد ذلك لوسوسة الشيطان، وإغواء حواء له، وهذا مصداق قوله تعالى «فعصى آدم ربه فغوى»، فخرج من عرش النعيم. إذن السمع والطاعة حق للسماء، والاحتكام المطلق إليه على الأرض شر مستطير وبلاء مقيم وسر من أسرار فشل الإنسان فى الحياة، بل وفشل الحياة نفسها.
لو أنك طبقت هذا الكلام على واقع الحياة فى مصر لأدركت أن واحداً من أسباب السقوط فى فخ «شبه الدولة» أو «اللادولة» ناتج عن الطريقة التى يمارس أو يؤدى بها المجموع فى مواجهة الرأس الكبير داخل كل مؤسسة. فالسمع والطاعة هو القانون الذى يحكم العلاقة بين الطرفين، ربما كان لدى مَن يسمع ويطيع نصيحة أو كلمة طيبة تستحق أن يسمعها لرأس المؤسسة، لكنه فى كل الأحوال يقطع لسانه ويحجم عن إسدائها أو قولها، قناعة منه أن «الكبير» يحب فقط أن يسمع الكلام الذى يريد أن يسمعه، وهو لا يريد سوى الحديث عن حسن تفكيره وتدبيره.
لعلك تذكر أن موضوع «السمع والطاعة» مثل واحدة من البوابات الكبرى للهجوم على جماعة الإخوان، وظل واحداً من أبرز المغامز والمطاعن على طريقة أدائها، حتى خروجها من السلطة بثورة شعبية فى 30/6/2013. لام الكثيرون -ولديهم كل الحق- على أفراد الجماعة سقوطهم فى بئر السمع والطاعة للمرشد أو المسئول دون تفكير أو تمحيص لما يقولون، لم يعجبهم أسلوبهم الذى يعتمد على شعار «لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم»، بل «أطيع فقط»!. كان الناس يتعجبون من تقاطر الإخوان على الأوتوبيسات، عندما تصدر الأوامر إليهم، ليحتشدوا فى هذا المكان أو ذاك، دون تفكير أو تدبر، فيما يقومون به، وكانوا يستغربون من حالة الطاعة التى تعطل العقل على هذا النحو، نعم ربما يكون الناس قد شاهدوا هذه القدرة على الحشد وحشو الأوتوبيسات بالبشر أيام انتخابات الحزب الوطنى، لكن المحشودين والمحشورين حينذاك، كان لديهم أسباب منطقية، تتمثل فى ورقة نقدية، ووجبة!. هذا الأمر أدى بالبعض إلى الحديث عن أن الإخوان كانوا يدفعون هم الآخرون لتعليب الأوتوبيسات بالبشر، فليس بمقدور أحد -وعنده الحق- أن يصدق أن السمع والطاعة يمكن أن يكون ببلاش، أو لمجرد أن الكبير أصدر الأوامر!.
ذهب الإخوان، لكن المبدأ ما زال سارياً، وتيار السمع والطاعة ما زال موجوداً، يشمل بتأثيره بعض المؤسسات التى ترى أن أتباعها ليسوا أكثر من عرائس ماريونيت، عليهم أن يوجدوا حيث يريد كبير المؤسسة، ويؤدوا بالطريقة التى يتوقعها منهم، ربما كان لدى البعض قناعة أو أسباب تدفعهم إلى الطاعة، ولكن هل كل من يسمع ويطيع يكون كذلك.. أم أن الانقياد جزء من ثقافة البشر، وخصوصاً المصريين بحكم «الحياة المركزية» التى عاشوا فى ظلها آلاف السنين؟!.