المساء
محمد جبريل
الثلاث ورقات في القنوات الفضائية!
إذا دفعتك ظروف قاهرة - المرض مثلا - إلي الجلوس أمام التليفزيون. والتنقل بين قنواته. للتعرف إلي أحوال الدنيا. فلعلك لاحظت هوجة المسابقات التي أراد أصحابها - فيما يبدو - منافسة الحكومة في ابتداع الوسائل التي تبتز جيوب المواطنين. أول الأسئلة في الرياضة. تلتها اسئلة في الأدب والتاريخ والجغرافيا.. والحبل علي الجرار. هوجة من الاسئلة التافهة. معناها الوحيد هو الإساءة إلي وسيلة إعلامية مهمة. وإلي عقلية المشاهد المصري.
أغرب ما في هذه المسابقات أن كتابها يتصورون في المشاهدين ما يتمتعون به هم أنفسهم من الغباء. فهم يطرحون اسئلة مثل: من أين تشرق الشمس. من المشرق أم من المغرب؟ وما اسم عاصمة جمهورية مصر العربية: طنطا أم بني سويف أم القاهرة؟ وما هو البحر الذي تطل عليه مدينة الاسكندرية: الأحمر أم المتوسط أم الميت؟ وما النهر الذي يعد الشريان الرئيسي للحياة المصرية: دجلة. أم الفرات. أم النيل؟.
إذا وجدتني مغاليا في سذاجة الاسئلة. فإني أعرض عليك هذا السؤال الذي بثته - ولا تزال - قناة النيل للرياضة: من هو الأديب المصري الذي فاز بجائزة نوبل: أحمد شوقي أم العقاد أم نجيب محفوظ؟
لم أخترع السؤال. لكنه ما تفتقت عنه عبقرية من لا أعرفه في القناة الفضائية. تصور الجهل في المشاهدين الذين يسعي لابتزاز جيوبهم. لم تشغله العلاقة بين الجهاز الإعلامي ومشاهديه. وأنها يجب أن تقوم علي المصداقية. والاحترام المتبادل. فالإعلام يخاطب مشاهدا يمتلك حصيلة معرفية تتيح له المتابعة. واستكمال ما قد يغيب عن ذهنه أو ذاكرته من معلومات. ما يمتلكه مشاهد التليفزيون من المعرفة والوعي هو الذي يدفعه إلي المشاركة في المسابقات المختلفة. أما الاستسهال بتصور الجهل فإنه خطأ يستحق الإدانة. ومن واجب قيادات ماسبيرو أن يعتذروا عنه. وأن يعاقبوا من استخف بعقول المشاهدين إلي هذا المستوي المهين.
الطفل الصغير يحتج متضايقا إن أراد والداه مداعبته: انتوا فاكرني مش عارف؟.. لكن سادة التليفزيون لا يداعبون. إنهم يتصورون الجهل في مشاهديهم. فيأذنون بأسئلة تسئ إلي قيمة المبني الذي يترأسونه!
الأسئلة تتوالي بصورة غريبة. يصحبها الوعد بمنح صاحب أكبر عدد من الردود فرصا أكثر في الفوز. فالهدف إذن ليس اختبار حصيلتنا المعرفية وإنما السطو علي "حصالتنا" المالية!
ياسادة. المهزلة زادت عن الحد. ولابد من ايقافها. لا تجعلوا القنوات الفضائية المصرية مجالا للضحك علي الذقون. ولعبة الثلاث ورقات.
من حق المشاهد أن يحظي بالاحترام. بما يدفعه إلي متابعة البرامج الجادة. في قنواتنا المحلية. أو البحث عنها خارج الحدود!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف