المساء
مؤمن الهباء
المفعـول بهـم
اتفقت أمريكا وروسيا علي الهدنة في سوريا.. وقع الاتفاق وزيرا خارجية البلدين كيري ولافروف في جينيف.. لم تنشر تفاصيل الاتفاق ولكن قيل ان المفاوضات بشأنه استغرقت من الوزيرين ومساعديهم عدة شهور.. كان غريبا أن تطلب دولة مثل فرنسا من أمريكا أن تطلع حلفاءها علي تفاصيل الاتفاق.
صمدت الهدنة ستة أيام ثم وقعت خروقات وانتهاكات هنا وهناك.. وتبادلت الدولتان الاتهامات في ذلك.. لكن مازال بينهما اتصالات وتفاهمات لتمديد الهدنة والسماح بمسارات آمنة لإدخال قوافل الاغاثة.
سمي هذا الاتفاق بالخطة أ".. وعندما ترددت أنباء عن وجود الخطة "ب" بين الدولتين لتسوية الأزمة نهائيا قال المبعوث الروسي صراحة إن اتفاق الهدنة مع أمريكا لم يتضمن أية إشارة إلي مصير بشار الأسد أو العملية الانتقالية في البلاد.
أنصار أمريكا في المنطقة يروجون أن الهدنة مقدمة لتسوية سياسية قادمة بعد إجراء تعديلات في المواقف الاستراتيجية علي الأرض تضمن تفوق قوي المعارضة المسلحة وإعادة تنظيم صفوفها.. بينما أنصار روسيا يؤكدون أن الهدنة في حد ذاتها تشكل نجاحا للسياسة الروسية ولبوتين شخصيا الذي استطاع أن يفرض رأيه علي أمريكا.. ويضعها في موقف الدفاع.
لكن الحقيقة الواضحة أن الدولتين هما اللتان تمسكان بزمام الحرب الأهلية في سوريا.. وتتحكمان في تسيير دفتها.. ليس بشار الأسد.. وليست قوي المعارضة المسلحة.. هؤلاء مفعول بهم ولا رأي لهم.. هم مجرد أدوات في لعبة الأمم.. أدوات تتحرك وتتكلم بالأمر.. وفي الحدود المسموح بها... لكن الكلمة الأخيرة - كما رأينا - لأمريكا وروسيا.. أو لروسيا وأمريكا.
الرسالة وصلت بكل وضوح.. استمرار الحرب والصراع يعني أن الدولتين لم يحسما أمرهما بعد.. ومازال هناك دم سوري يجب أن يسال أكثر.. ومدن وقري سورية يجب أن تخرب وتدمر.. وسوريون يجب أن يهجروا.. حتي تصل الدولتان إلي قرار التسوية.. بينما طائرات إسرائيل تصل إلي دمشق وحلب ودير الزور.. تضرب وتدمر وتقتل ثم تعود إلي قواعدها سالمة دون أن يعترض أحد طريقها.. لا في الذهاب ولا في الإياب.
لماذا حدث كل هذا؟!
لأن قطاعات من الشعب السوري خرجت ذات يوم تطلب الحرية مثل كل شعوب العالم المتحضر.. وأن يكون لها رأي في تغيير الرئيس - أو الزعيم - الذي كتم علي أنفاس الناس لعدة عقود هو وأبوه من قبله.. لكن الزعيم - الذي هو الوطن - لم يكن ليسمح بذلك - فكانت المواجهة المسلحة للحشود الشعبية التي خرجت تغني وتصفق في الشوارع... وتحولت الثورة السلمية إلي بحور دم وخراب ودمار.
لماذا يحق لكل الشعوب المتحضرة أن تغير رؤساءها سلميا وبكل سهولة.. عن طريق صناديق الاقتراع وبشكل احتفالي.. بينما يكتب علي الشعوب المفعول بها أن يكون تغيير الزعيم بالدم والقتل والتدمير؟!
هذه الشعوب لا تمتلك قرارها.. وغير مسموح لها بأن تخرج علي إرادة الزعيم التي هي إرادة الوطن.. هي مخيرة فقط بين أن تقف وراء الزعيم مؤيدة ومساندة أو أن تغادر الوطن وتهاجر إلي الخارج.. لأن تغيير الزعيم سيؤدي مباشرة إلي تمزيق الوطن وضياعه.
وبالمناسبة.. كلمة الزعيم في القاموس تعني "الكفيل".. فالزعيم هو كفيل الشعب.. أبوه الذي يحمل همه ويسهر علي راحته.. ولا يمنع - مع ذلك - أن يردد الزعيم أن الشعب هو المعلم والرائد والقائد.
وبعد كل التجارب المريرة التي عشناها.. والنتائج الكارثية التي اكتشفناها... مازال عندنا من يحن إلي الزعيم القوي العنيف الذي لا يرحم.. ويري فيه الحل لمشاكلنا المعقدة.. بينما الحقيقة تؤكد أن هذا الزعيم القوي العنيف هو في الواقع سبب المشاكل المعقدة.
قرأت مؤخرا لأحد أصحاب الأعمدة الصحفية اعجابه الشديد بكيم الحفيد زعيم كوريا الشمالية الذي يقتل وزراءه لأن بعضهم لم يصفق بشكل جيد وحماس واضح.. يقول الكاتب انه يتمني لبلادنا زعيما مثله.. "حاكما قويا عنيفا لا يرحم.. مهابا لا محبوبا.. نموذج كيم الحفيد يظل حلا لابديل له".
إلي هذا الحد انتهي الأمر بالكاتب الليبرالي الذي ادعي انه من مفجري ثورة 25 يناير.. وان كتاباته الليبرالية ساهمت في تنوير الشباب وإطلاق طموحهم إلي الحرية والعدالة والكرامة.
وسبحان من يغير ولا يتغير.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف