لعل من أهم الظواهر السلبية التي سادت في مصر خلال الثلاثين سنة الأخيرة هي انتشار ظاهرة مخالفة قوانين البناء وتفنن المخالفون في أساليب المخالفة وكانت لهم طرقهم ووسائلهم للخروج منها كما تخرج الشعرة من العجين كما يقول المثل، وتشكلت لتلك الجريمة مافيات منظمة تتولي العملية من الألف إلي الياء بكل معني الكلمة منذ تحرير المخالفة بمعرفة المهندس المختص إلي صدور حكم بالبراءة ولهم طرقهم وألاعيبهم ولم يكن القانون يطول إلا المخالف الذي يعمل بمفرده بعيدا عن تلك المافيا، وعبثا حاولت الدولة ان تتصدي لهذه الجريمة بإصدار سلسلة من القوانين المتلاحقة لسد الثغرات التي تظهر في التطبيق ولكن كانت دائماً المافيا أقوي من التعديلات التشريعية ودائما ما تجد الثغرة التي تنفذ منها . وأنا لا اريد ان أضيع وقت القارئ في استعراض نماذج متعددة لمخالفات متنوعة حدثت في ظل تعديلات تشريعيه متلاحقة وكيف استطاعت المافيا التغلب عليها ،فذلك تحصيل حاصل فالمخالفات علي مدار السنين حية ترزق منذ صدور القانون ٢٥لسنة١٩٩٢(والذي قيل وقت صدوره انه سوف يقضي علي فوضي المخالفات)والذي تنص الماده١٧و١٧مكررا منه علي حظر توصيل المرافق للعقارات المخالفة،شوف قوة النص ومع ذلك تم التوصيل وأخرجت المافيا لسانها للقانون ومن ادعوه،، وانتهاء بالقانون ١٢٤لسنة ٢٠٠٨ والذي قيل ايضا وقت صدوره إن فيه السم القاتل لمخالفات البناء والآن بعد مرور ٨ سنوات علي صدوره والانتشار الوحشي لمخالفات البناء يعود الحديث مجددا لضرورة إصدار قانون جديد اكثر صرامة للقضاء علي هذه الظاهره التي مرمطت هيبة الدوله في الأرض والتي كان لها اكبر الأثر في انتشار مظاهر الفوضي والتسيب في الشارع،
وهنا قد يعن لشخص ما ان يسألني ألم تكن أمينا عاما للإدارة المحليه التي هي موطن الداء ؟؟وانت جاي تقول الكلام ده دلوقتي وانت علي المعاش؟؟ أرد وأقول له حقك ان تسأل هذا السؤال طالما انت لا تعرف كيف يصدر القانون في مصر،فالقانون تعده وزارة الإسكان بعد ان تأخذ رأي الجهات ذات الصلة (مجرد أخذ رأي)وتقدمه لمجلس الشعب بعد عرضه علي مجلس الوزراء ثم يصدره رئيس الجمهورية،وعند صدور القانون ١٢٤لسنة ٢٠٠٨ وفي مرحلة إعداده مثلت الأمانة العامة (التي كنت أرأسها في ذلك الوقت) بعضو في لجنة إعداد القانون وكانت تعليماتي لذلك العضو بضرورة النص(وخلي بالك بقي من اللي جاي ده لأن هذا هو مربط الفرس) علي مصادرة العقار المخالف أوعلي الأقل الجزء المخالف منه لصالح الدولة ولا تسقط هذه الجريمه بالتقادم، وهنا أتوقف وقفة قصيرة لأذكر القارئ الكريم بأنه حدث في أواخر عام ١٩٩٦ ان انهارت احدي العمارات في مصر الجديدة بالقرب من نادي هليوبوليس وكالعادة في تلك الحوادث أولت الصحف لتلك الواقعة اهتماما كبيرا وقامت الصحفية المحترمه الأستاذة تهاني ابراهيم بإجراء حوار صحفي معي وكنت أعمل في ذلك الوقت سكرتيراً عاما لمحافظة القاهرة حول أسباب سقوط العمارة (وذلك لا يهمنا الان)وحول كيفية القضاء علي ظاهرة مخالفة قانون البناء وكان ردي عليها هو انه بحكم عملي رئيساً لخمس مدن وحي قبل ذلك اقول لك بضمير مستريح وبصراحة شديدة انه لا حل إلا بمصادرة العقار المخالف،وجعلت هذه العبارة هي المانشيت الرئيسي للحوار علي صفحات اخبار اليوم، انتهت الوقفة القصيرة ونعود إلي قصة صدورقانون البناء الموحدبرقم ١٢٤لسنة ٢٠٠٨ .
لم تأخذ وزارة الإسكان بمقترحنا وأرسلت القانون إلي مجلس الشوري بعد عرضه علي مجلس الوزراء وفي مجلس الشوري استغليت عضويتي في المجلس (آنذاك) وطالبت بمصادرة العقار المخالف او علي الأقل الجزء المخالف منه لصالح الدوله أسوة بما يتبع مع المخدرات والسيارة التي تحملها وكذلك البضائع المهربة من الجمارك،إلا ان الاقتراح لم يلق قبولا من الحكومه ولا من الأعضاء اللهم إلاعضوا وحيدا أيده هو الدكتور نبيل لوقا، المهم الآن هل يؤرقكم شيوع وانتشار مخالفات المباني وعدم قدرة الحكومه علي السيطرة عليها؟
صادروا العقار المخالف او علي الأقل الجزء المخالف منه والنص علي عدم سقوط هذه الجريمة بالتقادم حتي نسد الثغرة التي تستغلها المافيا بالحصول علي التقادم بعد ثلاث سنوات من حدوث الواقعة، وإذا لم تفعلوا ذلك فضوها سيرة وسيبوا اللي عايز يبني يبني علي كيفه علي الأقل حتي يتساوي المواطن الشريف الطيب الذي لا يعرف السكك المعوجة مع المواطن اللبط احد أضلاع مربع مافيا الفساد في منظومة مخالفات المباني،لأنكم بدون ذلك لن تستطيعوا وقف هذه الجريمة وأتحدي،اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.