المصرى اليوم
نيوتن
كيف تقيس عمرك؟
العمر غير السن، فقد تكون طفلاً وأنت فى السبعين. قد تكون عجوزاً. كهلاً وأنت بعد لم تتجاوز الخامسة عشرة من العمر.

لا أحد يشعر بمرور الوقت. أنت طفل. شاب. رجل. شيخ. لا توجد فواصل بين المراحل العمرية. كنت أشعر بالاستفزاز عندما يعاملنى من حولى على أننى أصبحت كهلا. عندما يمدون أياديهم ليساعدونى فى عبور الشارع. عندما يتطوع أحد لحمل حقيبتى. كلها علامات كنت أستقبلها بانزعاج. حتى تقبلت الأمر. امتثلت للواقع. بدأت أرى فى هذه المعاملة من الناس حناناً صافياً. فمن منا يرفض الحنان؟ اليوم أنا أعيش هذه المرحلة. يجب علينا أن نسعد بكل مرحلة. فعلاً كل سن لها رونقها. متعتها.

بينى وبين نفسى أشعر أننى أخدع كل من حولى. مرحلة الكهولة التى يظنون أننى أمر بها. لا يدركون أننى لم أغادر مرحلة الشباب. توقفت عند الثانية والثلاثين من عمرى. هذا هو إحساسى. الفتيات الجميلات اللاتى كن يتجنبننى. وكنت أسعى إليهن. أصبحن يتوددن إلى رجل يعرفن أنه لا خوف منه ولا يحزنون. ينظرن إلىَّ نظرة أبوية أغلب الأوقات. الأبوة لو تعلمون شعور يسمو كثيراً عن متعة الرغبة.

أنا مؤمن بما قاله أحد المحاضرين فى اجتماعات نادى «الروتارى»: أنت عجوز هرم إذا توقفت عن الانبهار. إلى يومنا هذا أنا أنبهر بكل شىء. بشجرة باسقة. قطعة حلوى منمقة. الجمال بأنواعه. اللوحات الفنية. التحف. الغناء. الموسيقى الجميلة. الصحف الأجنبية. المقال المبدع. بالمعمار. لا أتوقف أبداً عن الانبهار.

أمى رحمها الله أخذت ببشارة القرآن الكريم «حتى إذا بلغ أشده، وبلغ أربعين سنة». كانت تظن أن ابنها لابد أن تصيبه الهداية فى هذه السن. كنت أضحك فى داخلى وأكاد أقول ما شأنى أنا بالأربعين.

منذ أيام فى أحد شوارع لندن. رأيت شابة تهم بإشعال سيجارة. قلت لها: لا تدخنى وأنتى تسيرين بهذه السرعة. سألتنى مبتسمة لماذا؟ قلت: لأنك تحتاجين لأكبر كمية من الأوكسجين أثناء السير. فلتدخنى وأنت جالسة إذن. تقبلت كلامى بكل ود. شكرتنى وانصرفت، وأجلت إشعال سيجارتها.

فى تلك اللحظة أدركت أن هذا من حسنات التقدم فى السن. لو كان مظهرى شابا ربما فهمتنى على نحو خاطئ. أو نهرتنى. أو استدعت البوليس. بحجة التحرش مثلاً.

فى أمريكا وأوروبا يتعاملون مع هذا الموضوع بشكل أكاديمى عملى. كبار السن هناك لهم مميزات عديدة. فى المواصلات. فى دخول المسرح. السينما. فضلاً عن المعاش والعلاج.

عن نفسى كنت قد اتخذت قراراً بالتقاعد فى سن 58 سنة. قبل سن المعاش المتعارف عليه هو الـ60. قلت ليكن الأمر بيدى لا بيد عمرو. لسوء الحظ أيامها صادفت أعمالنا مشاكل غير متوقعة. أرغمتنى على تأجيل قرارى قليلاً. لمدة 10 سنوات إضافية. خلالها تكشف لى أن العمل من أرقى أنواع العبادة. أمارس به الشكر العملى لله سبحانه وتعالى. بالعمل. أشكره على أنه أدام لى بصرى. أدام لى سمعى. قدرتى على السير وحدى. قدرتى على الاستيعاب والفهم. استمرار منحته بالقدرة على الخيال والابتكار والتصرف. أدركت أن المسألة تتعلق بالقدرة المتاحة بالأساس. ليس بسن محددة أبداً. الزمن «وهم» كما يقول أينشتاين. نعم إنه وهم كبير.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف