على هاشم
لو يعلم المنافقون ومروجو الشائعات جزاء أفعالهم عند ربهم..؟!
* قناعتي أنه لا يوجد مجتمع بشري إلا وله أخطاؤه ومثالبه. إيجابياته ومناقبه» فإذا وجدت السلبيات ومواطن القصور من ينبه لها ويحذر من خطورتها لمنع تكرارها سلم المجتمع كله من أذاها وشرورها.. أما إذا وجدت السلوكيات الخاطئة تساهلاً معها. وعدم إنكار لها استشرت وتوحشت حتي تنخر في عظام أي مجتمع. وتبتلعه إذا لم تجد المقاومة الواجبة.. ومن الآفات الخطيرة التي لا يجوز التسامح معها إطلاق الشائعات وترويجها بين الناس. سواء أكانت سياسية تحدث بلبلة وضبابية وفقدان مصداقية للنظام يتبعه عدم استقرار.. وإما اجتماعية تشوه السمعة. وتغتالها بدم بارد. وتصيب الأبرياء في مقتل..وهذا ما نهانا عنه الشرع. ودعانا إلي التثبت من كل نبأ. والتحقق من كل خبر..يقول الله تعالي ¢ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين ¢.
ولا أبالغ إذا قلت إن سلوكيات خاطئة زادت بعد ثورة يناير» كالنفاق والكذب والغيبة والنميمة والإهمال والتقصير وبث الشائعات وتشويه سمعة الأبرياء. وقد ساعد علي ذلك للأسف وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام» سواء في برامج التوك شو أو المسلسلات والأعمال الفنية المختلفة والهابطة. ولم يتنبه ضمير المجتمع لخطورة ترك الصورة المغايرة لمصر الحقيقية تترسخ في الأذهان هنا وهناك.وتحدث اهتزازًا للقيم. وتراجعًا في الأخلاق.. وغابت في المقابل البرامج والأعمال الهادفة التي تحض علي العلم وتحصيله. ومحو الأمية. وممارسة الرياضة. والمشاركة في الشئون العامة. وترشيد الإنفاق والاعتدال في كل شيء. وإصلاح ذات البين والتراحم.. أو تنهي عن الفساد والانحراف بشتي صوره.والتدخين وآثامه. وانتهاك الخصوصيات. ونهش الأعراض والابتذال والترخص.
الأمر الذي يدعونا للتساؤل : هل تقوم مؤسسات الدولة المعنية بصياغة العقل وتشكيل الوجدان والسمو بالروح بواجبها.. أليس من وظائف مؤسسات الثقافة والتعليم والشباب والإعلام والفن والأسرة تنوير المجتمع. والأخذ بيده إلي الترقي والتحلي بالفضيلة ومكارم الأخلاق التي كثيرًا ما نبه الرئيس السيسي إلي ضرورة الالتزام بها في خطاباته مرارًا وتكرارًا.
ما يحدث للأسف في مجتمعنا من فقدان الثقة في بعضنا البعض. واتساع الفجوة بين الشعب وحكومته. سببه تدهور الحالة الأخلاقية» ذلك أن زرع الثقة يتطلب شفافية وتواصلا وتفاعلا إيجابيًا. وإعلامًا موضوعيًا لا تحكمه المصالح والأهواء.. وهو ما نفتقده للأسف في واقعنا. حيث تخلت كل مؤسسة عن واجبها الأصيل. واستمسكت بالشكليات وغرقت في سفاسف الأمور وتوافهها» ومن ثم فلا غرابة أن تجد الفن مثلاً وهو الأكثر تأثيرًا في الناس مجرد ناقل أو مضخم لما يحدث من سلبيات اجتماعية وسياسية. وهو ما أنتج للأسف حالة من الضبابية والسوداوية والتشاؤم والمزاج العكر لأغلب المصريين.. زد علي ذلك حالة الغلاء. وتراجع القيمة الشرائية للدخول. وانفلات الأسعار التي ضاعفت السلبيات. وجعلتنا في حالة سيولة شديدة وهشاشة قابلة لتداول الشائعات. وترويجها بصورة أضرت بالجميع.
ورغم أنني لست ضد النقد الهادف أوالتنبيه الموضوعي إلي العيوب ومواطن الخلل لاسيما فيما يخص أداء أجهزة الحكومة ومؤسسات الدولة لكني ضد التهويل وطمس الإيجابيات. ونسف كل بارقة أمل تلوح مع كل إنجاز أو نجاح يتحقق في مصرنا الغالية.. فهل من مصلحة مصر نشر الإحباط واليأس في قلوب المواطنين..؟!
لا يخلو أي مجتمع بشري من أخطاء يصر صناع الدراما ومقدمو البرامج عندنا علي إبرازها» بدعوي أن ناقل الكفر ليس بكافر. ورغبة في زيادة نسب المشاهدة والإعلانات بصرف النظر عن الصالح العام..هؤلاء يصرون علي نفاق المتلقي وإشباع غرائزه ليس بما يفيده وينفع البلد ولكن بما يحبه ويهواه حتي ولو كان ضد مصلحته وفي غير الصالح العام.. وينسي هؤلاء أن الممنوع مرغوب. وأن النفس بطبيعتها أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. و آهي لو يعلم المنافقون والكاذبون ومروجو الشائعات جزاء أفعالهم عند ربهم.. وكيف أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.وكيف أن الكذب وإخلاف الوعد والعهد وخيانة الأمانة ـ أي أمانة ـ والفُجر في الخصومة علامات خالصة علي النفاق لقول النبي المصطفي ¢ أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا. إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائُتمن خان. وإذا خاصم فجر..¢
وللنفاق صور عديدة» فموالاة أهل الباطل نفاق. وخداع الجمهور نفاق.. والمنافق أشد خطورة علي المجتمع من الأعداء» إذ يظهر خلاف ما يبطن. ومن ثم لا يؤمن شرهم. ودائمًا ما يؤتي الحذر من مأمنه. والمنافق يعطيك من طرف اللسان حلاوة وينطوي قلبه علي أشد أنواع الحقد والبغضاء والعداوة والشر المستطير.. والمنافق يشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام.
والمنافقون يتلونون كالحرباء. لهم ألف وجه.. ولا غرابة أن ينزل الله في القرآن سورة باسمهم. ليكشف خطورتهم. وينبه إلي ضرورة الحذر منهم.. وقد توعدهم بأقسي العقاب.. وليعلم المنافقون والكاذبون ومروجو الشائعات. ومن يحبون أن تشيع الفاحشة بين الناس أنهم لن يفلتوا في الآخرة من عقاب الله العادل الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم.. وإذا كان فضيلة مفتي الجمهورية قد دعا -ونحن معه- إلي ضرورة تجديد الخطاب الإعلامي والرسالة الإعلامية لشدة احتياجنا إلي ذلك فإننا في حاجة أشد إلي تجديد الفكر الديني وإصلاح الخطاب الديني نفسه» فأخطر آفات العصر هو الإرهاب. وأخطر الأفكار تلك التي ترتدي ثياب الدين وتكسب مساحة في عقول الشباب المغرر بهم والذين هم وقود الجماعات الإرهابية المتطرفة في وجه الدولة والإنسانية جمعاء والتي أضرت بصورة الدين أبلغ الضرر. ولم تجد من يتصدي لها ويخرج بأفكار بديلة جاذبة شديدة الإقناع لهذا الشباب الذي جري تضليله بالتشدد والتطرف والمغالاة في الدين.
الجميع في حاجة إلي الاجتهاد المستنير بضوابطه وأخلاقه والتحري في القول. والتثبت في تداول الأخبار ونقلها للآخرين. فالشائعات طريق الضلال وعاقبتها الندم وترويجها يخدم الإخوان وأعداء الوطن» ومن ثم فالاستسلام لها يعود بنا للوراء. ويزيد الموقف إرباكًا في وقت تشتد فيه حاجتنا لتماسك الجبهة الداخلية ومضاعفة الإنتاجية وتجويد العمل والكف عن المعارك الكلامية التي تثير مزيدًا من الجدل والخسران والتراشق والانقسام.. فما أكثر الخسائر التي مُنينا بها بعد ثورة يناير وما أحوجنا لتعويضها وإلا فالعاقبة أكثر من وخيمة.. فمتي نكف عن ترويج الشائعات المغرضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والتي طالت الجميع حتي كبار المسئولين وقادة الدولة.
وهل يصح مثلا أن يتباري كاتب كبير في الاعتماد علي معلومة غير موثقة أو شائعة متداولة عبر الإنترنت.. ثم يبني مقالته اعتمادًا عليها.. فمتي نلتزم بمعايير الشرف الإعلامي طواعية. ومتي تلزم الجماعة الصحفية نفسها بالمحاسبة المسئولة لكل من يخطئ من أعضائها» ردعًا للمتجاوزين. وحماية للمجتمع من اغتيال السمعة وانتهاك الخصوصية.
مصر لا تزال تحارب معركتها المصيرية » معركة البقاء والبناء. وآن الأوان لحشد جميع الجهود. واستثمار الطاقات في إصلاح التعليم والاقتصاد والصحة. وأن نطوي صفحة الإخوان بعد اجتثاث جذور الإرهاب. ودحض الفكر الإرهابي المتطرف.. وعلي الأزهر والكنيسة مواصلة دورهما في التنوير والتوعية الدينية واستنهاض الهمم بعزائم صادقة وأفكار خلاقة مخلصة.. آن الأوان للإعلام أن ينهض بواجبات الوقت في بناء رأي عام مستنير. وتزويد المتلقين بما يحتاجون إليه وليس ما يحبونه. علي أرضية المصالح العليا للوطن.. وأن تكون التنمية المستدامة ومحاربة الإرهاب والفساد واستقلال القرار الوطني. وإصلاح ما أفسدته العهود السابقة أولويات قصوي لا عذر في تركها أو الالتفاف عليها وقد تبناها الرئيس السيسي منذ ترشحه للرئاسة. وقد كان الرجل جادًا في تحقيقها منذ اللحظة الأولي لحكمه.. إذ قال ¢إن العمل ولا شيء غيره هو كلمة السر لعبور الأزمة الاقتصادية الطاحنة¢.. العمل وليس جدل النخبة وذوي الأجندات الخاصة أو الخارجية الذين لا يرجون لمصر خيرًا. ولا يودون لها أن تنهض.. وظني أن دول الشر والتآمر لن ترضي عنا ما دمنا عقبة في طريق أحلامها في تقسيم وهدم دول المنطقة التي لن تنساها وستظل تهادن وتناور وتتحين اللحظة المناسبة لتنفيذ مخططها الخبيث بشتي الوسائل والسبل.. وهو ما يجب ألا ننساه نحن أيضًا. وأن نحرص علي وحدة الصف والوجهة.
النقد الهادف لا شيء فيه. ما دام لا يخالطه غرض أو تجريح أو تشويه.. الحرية مطلوبة لكن بضوابطها وليس بالتظاهر المنفلت الذي يتخذه البعض ذريعة للهجوم علي مؤسسات الدولة والعنف والتخريب.. والأمل كل الأمل في وعي الشعب ومناصرته للدولة وللرئيس السيسي الذي حدد برنامجه منذ اللحظة الأولي داعياً للعمل وإخلاص النية. مبشرًا بزوال الغمة ورفع المعاناة عن كاهل البسطاء السواد الأعظم من الشعب.. وهو ما لم تستطع الحكومة ترجمته إلي واقع حتي هذه اللحظة» بدليل غلاء الأسعار الذي ضرب كل شيء في حياتنا- سلعًا وخدمات- في غياب تام لأي رقابة. وما يسمي بجهاز حماية المستهلك.
كلما زادت المعاناة والتحديات ازداد تمسكنا بالأمل في عبورها بجبهة داخلية متماسكة يؤدي كل منا دوره فيها بإخلاص. غير غافلين عن وجود استهداف للدولة ورئيسها» وهو ما يجعل مناصرتها واجبًا علي كل ذي ضمير وعقل بالإنتاج والعمل وصم الآذان عن الشائعات المغرضة التي لا تكف الكتائب الإلكترونية الإرهابية عن إطلاقها بين الحين والآخر.. أملاً في كسب بعض المواقف لإيجاد موقع قدم لهم علي الساحة من جديد.. لكن أني لهم هذا وكيف نتصالح مع الدم والعنف.. وكيف لا نحتكم للقانون والمواطنة في التعامل مع الإرهاب والفساد. وكلاهما عدو لا تصالح معه.. متي نحتكم للكفاءة والإجادة في شغل الوظائف.. متي نري تمكينًا حقيقيًا للمرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجًا.. متي تضع الحكومة كل هذا علي أجندتها وجدول أعمالها؟