يأتيك السؤال: ما الحل؟ وما المخرج والخلاص؟، وتأتي الإجابة: "لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ". (النجم: 58)، فما المقصود بهذه الآية؟ وما علاقتها بواقعنا البائس؟
أعقبت الآية قوله تعالى: "أَزِفَتِ الْآزِفَةُ"، بمعنى أن الساعة التي دنت، والآزفة التي أزفت، والقريبة التي اقتربت، والقيامة التي أوشكت؛ لن تقوم إلا بإقامة الله إياها، إذ لا يدفعها من دون اللّه أحد، ولا يطلع على علمها سواه، فلا يكشفها ويظهرها إلا هو سبحانه، وفق أقوال العلماء والمفسرين.
وسمَّاها الله تعالى "آزِفَةُ"؛ لقرب قيامها عنده، ودنوها من الناس؛ ليستعدوا لها.. فكل ما هو آت قريب، وليس لها من دون الله، من يؤخرها أو يقدمها. فكأنه - صلى الله عليه وسلم - جاء على فم الساعة، بتعبير الشيخ الشعراوي، يرحمه الله.
والمعنى أنه إذا جاءت أهوال الساعة؛ فلا أحدَ، غير الله، يستطيع أنْ يدفعها، ومن هنا علينا أن نستعد لهذا الموقف، وأن نأخذ له دافعا من الله، فهو وحده القادر على أنْ يدفع عنا في هذا اليوم، وبالطبع: في غيره من الأيام.
وبرغم أن هذه الآية تتحدث عن القيامة، إلا أنها صالحة للاستعانة بها في قضاء جميع الحوائج.. فالله تعالى؛ الذي يقدر الساعة، ويقيمها، لهو أقدر، على ما هو أخف من ذلك، من قضاء جميع الحوائج للبشر، ودفع أي ضرر أو ظلم عنهم، وجلب أي نفع أو خير إليهم.
ولم لا، والله سبحانه من أسمائه: "الرقيب"؟.
وقد ورد في القرآن مرات عدة: بأول سورة النساء: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً".
وعلى لسان عيسى: "فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ". (المائدة: 117). وفي سورة "الأحزاب": "وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا". (52).
والرقيب هو المطلع على ما أكننته الصدور. لذلك قالوا: "أعظم العبادات مراقبة الله في سائر الأوقات".
ورقابة الله للمجتمع أجدى من مليون شرطي يراقب الناس، ومن مليون "كاميرا" تسجل تصرفاتهم، ومن مليون تشريع ينظم حياتهم. فليس علينا سوى أن نربي أنفسنا على اسم الله "الرقيب".
وهذا يونس: "فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ". (الانبياء: 87).
ضع نفسك مكانه.. ليس في ظُلمة قاع المحيط، ولكن في غرفة مغلقة، لا تستطيع الخروج منها.. كيف سيكون شعورك؟
وهذا أبو بكر، أراد أن يولي عمر بن الخطاب، فقال له الناس: "أتوليه علينا، وهو شديد؟"، فقال: "ذلك رجل أعلم أن سره أفضل من علانيته".
فالمراقبة عبادة عظيمة. قال ابن القيم في "مدارج السالكين": "من منازل "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" منزلة المراقبة، وهي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.. فاستدامته لهذا العلم، واليقين بذلك هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأنَّ الله سبحانه: رقيب عليه.. ناظر إليه.. سامع لقوله.. مطلع على عمله".
وأضاف ابن القيم: "من راقب الله في خواطره؛ عصمه الله في حركات جوارحه. وقال أحدهم: والله إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي، وفيه أحد سواه.. وقيل: المراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطرة وخطوة.. وقال ذو النون: "علامة المراقبة: إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظَّم الله، وتصغير ما صغَّر الله".
ولا تقف مراقبة الله عند حد معين، فهي وظيفة العمر، كما قيل. ومن ذلك قال أحد السلف: "جاهدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت".. فسأله الآخر: وهل استقامت؟
هكذا علينا دائما ترديد عبارة: "الله ناظري, الله شاهدي, الله مطلع علي"، في كل وقت.. ليس باللسان فقط، وإنما بالقلب والجوارح.. عسى الله تعالى أن يكشف ما حلَّ بنا من غُمَّة، وما ألم بنا من نائبة، وما نزل بساحتنا من مصائب.. إنه ولي ذلك، والقادر عليه.