لاشك أن المدرسة في حقيقة أمرها ليست مجرد وعاء دراسي أو مكان للدراسة إنما مراميها ومبانيها أبعد وأعمق من ذلك بكثير. فهي ميدان التربية وميدان التعليم وميدان التثقيف والتهذيب وهي موطن صناعة المواهب في مجالات عديدة منها: الكتابة والشعر والقصة والأقصوصة والتدريب علي الصحافة من خلال الصحافة المدرسية ومجلات الحائط. والتدريب الإعلامي المبكر من خلال ما يقدمه الطلاب في طابور الصباح وفي المناسبات المختلفة وهي ذات باع كبير في مجال صنع المبدعين والأبطال الرياضيين من خلال دوري المدارس ومسرح المدرسة وعلي أقل تقدير يجب ان تكون المدارس كذلك.
وهي مجال صناعة القدوة فأثر المعلم القدوة في طلابه وتلاميذه أبعد أثراً من شخص آخر وقد قالوا: حال رجل في ألف خير من كلام ألف رجل. ولذا قال شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
إن تعليماً حقيقياً يساوي تقدماً حقيقيا. وقد قال الشاعر:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
لم يبن ملك علي جهل وإقلال
وإن انحرافاً عن المدرسة ودورها التربوي يعني انحرافاً عن القيم والسلوك القويم. وعن لغة العلم الي لغة الشارع. ومن السلوك المنضبط الي السلوك المنحرف.
ان الانضباط المدرسي أول سلم الانضباط الشخصي في سائر جوانب حياة الشخص ثم تلميذاً فطالباً ذلك ان تعود الذهاب الي المدرسة والالتزام بضوابطها التي قد يراها التلاميذ صارمة يعني تعوداً علي الانضباط السلوكي وقدرة علي التكيف المجتمعي في سائر جوانب الحياة. وان انفلاتاً مما قد يراه البعض قيداً مدرسياً انما يعني عدم القدرة علي التكيف المستقبلي مع ضوابط العمل الجاد.
المدرسة هي محضن هام لصناعة الوطنية المبكرة ابتداء من احترام علم الدولة الخفاق الي ترديد نشيدها الوطني الذي يترسخ في أذهان التلاميذ منذ نعومة أظافرهم. الي الحرص علي نظافة المكان والحفاظ عليه الي التعود علي العمل الجماعي من خلال العناية بالفصل فالفناء فمحيط المدرسة وصولاً الي الحفاظ علي المال العام من أثاث مدرسي وخلافه. الي احترام المعلم والكبير والمربي والمجتمع والتفاعل معه من خلال الأنشطة المدرسية التفاعلية مع المجتمع. الي الحفاظ علي البيئة وترشيد استخدام المياه والكهرباء وأدوات التعليم الي روح العمل الجماعي. اضافة الي التفاعل المبكر مع المعامل المدرسية وصناعة الوسائل التعليمية وفرق العمل المشتركة لحل المشكلات العلمية. الي المنافسة الشريفة من خلال مسابقات أوائل الفصول فأوائل الدراسة فأوائل الادارات فالمديريات فأوائل الجمهورية.
ان تعليماً ينشأ فأوائل خارج أسوار المدارس لتعليم منقوص مبتور لا يتسق ومواهب أبنائنا ولا يعمل علي تنميتها وما يجب ان ينشأوا عليه منذ الصغر مع تأكيدنا ان التعليم والتهذيب وقت الصغر لا يدانيه أو يقاربه شئ آخر. وهذا شوقي يقول:
سارت مها مسرورة مع والد حان ابر
فرأت هنالك نخلة معوجة بين الشجر
فتناولت حبلاً وقالت يا أبي هيا انتظر
حتي نقوم عودها لتكون أجمل في النظر
فأجاب والدها: لقد كبرت وطال بها العمر
ومن العسير صلاحها فات الأوان ولا مفر
قد ينفع الاصلاح والتهذيب في عهد الصغر
والطفل ان أهملته نشئاً تعثر في الكبر
مما يتطلب منا جميعاً التعاون والتعاضد حتي يعود للمدرسة دورها. وان يحرص أولياء الأمور علي تشجيع أبنائهم علي الانضباط المدرسي. وأن يعمل المعلمون القائمون علي العملية التعليمية علي ترغيب الطلاب وتحفيزهم علي الحضور الي المدرسة من خلال رعاية كاملة وتشجيع للمواهب المختلفة. خدمة لديننا ووطننا وأبنائنا وواجبنا. كل في مجاله وميدانه. وان تضافر الجهات المختلفة في رعاية المواهب المدرسية كل فيما يخصه ويعنيه حتي ننهض بوطننا ونرقي به الي المكانة التي يستحقها.