الوطن
محمد حبيب
رسالة إلى شباب الإخوان (٢)
فى هذا المقال، نستكمل رسالتنا إلى شباب الإخوان، راجين أن تصل إليهم وأن يقرأوها ويستوعبوا ما فيها، وإن كنت أشك فى ذلك كثيراً.. لكنا من باب الأعذار إلى الله تعالى، لا بد أن نقول كلمتنا لعلها تجد يوماً آذاناً صاغية وقلوباً واعية، والله من وراء القصد وهو يهدى إلى سواء السبيل.. والرسالة تهدف، كما بينا فى المقال الفائت، إلى إلقاء الضوء على الأخطاء التى ارتكبتها قيادات الجماعة، وبالتالى مهدت وعجلت بثورة الشعب على الإخوان فى ٣٠ يونيو، والإطاحة بحكمهم فى ٣ يوليو، ثم ما تلا ذلك من أحداث.

(١) شكلت رسالة الدكتور مرسى للسفاح «شيمون بيريز»، الذى خاطبه فيها بقوله: «صديقكم الوفى».. ونتمنى الرغد «لبلادكم»(!)، خطأ فادحاً ومثلت فضيحة بكل المقاييس.. قيل وقتها إنها رسالة بروتوكولية، وقلنا إنها كانت تفتقر إلى الحد الأدنى من الوعى.. فهى لم تكن موجهة لرئيس عربى، أو حتى غير عربى ليس بيننا وبينه عداوة أو خصومة، لكنها كانت موجهة لعدو ذى تاريخ أسود مخضب بالدم.. لقد خالفت الرسالة كل القيم المعروفة؛ التاريخ، والأصول، والمبادئ.. تناقضت مع موقف الجماعة نفسها تجاه القضية الفلسطينية التى ظلت طوال تاريخها تتغنى بها على أنها قضيتها الأولى.. وتناقضت مع نظرتها للكيان الصهيونى كعدو محتل وغاصب لأرض العروبة والإسلام.. وتناقضت مع ما كانت تفخر به دائماً وهو أن البنا -مؤسس الجماعة- شهيد القضية الفلسطينية.. فما الذى جرى يا ترى؟ هل بعد وصولها إلى السلطة تغير كل شىء؟ الغريب أيضاً أن القيادات لم تحرك ساكناً عندما وقف «أوباما» فى مدينة القدس وقال بملء فيه إن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.. هذا على الرغم من هتافات الإخوان «على القدس، رايحين.. شهداء بالملايين» التى كانت تشق عنان السماء أثناء الحملة الانتخابية(!) إن عملية تهويد القدس تجرى -ولا تزال- على قدم وساق، فهل نسيت قيادات الإخوان ذلك؟ والسؤال هو: هل جرت صفقة بين الإدارة الأمريكية والإخوان بشأن مساعدتهم فى تولى زمام الحكم فى مصر، مقابل تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونى؟

(٢) ثم كانت المفاجأة التى لا تخطر على بال أحد، وهى إصدار الإعلان الدستورى الكارثى والمشئوم فى ٢١ نوفمبر ٢٠١٢، الذى نصّب فيه مرسى نفسه فرعوناً جديداً لمصر، فلا أحد يعقب على قراراته، ولا أحد يجوز له الطعن عليها.. لقد كان هذا الإعلان هو الشرارة الأولى لثورة ٣٠ يونيو.. فقد تصورنا أننا بعد ثورة ٢٥ يناير قد انتهينا من آخر الفراعين، فظهر لنا فرعون جديد.. والحق يقال إن مرسى لم يكن هو من أصدر الإعلان، لكن أصدره هؤلاء القابعون فى مقر مكتب الإرشاد بالمقطم، وكان هذا فى حد ذاته مصيبة كبرى.. أدرك الشعب أن الذى يحكم ويدير شئون البلاد ليس هو الدكتور مرسى، وإنما أناس آخرون يدين لهم بالسمع والطاعة.. وقد كان هؤلاء يعتبرونه والإخوان الموجودين معه بقصر الاتحادية، شعبة من شعب الإخوان(!) ومن يومها، اندلعت التظاهرات التى شملت عشرات -إن لم يكن مئات- الآلاف.. وفى ٥ ديسمبر وقعت مجزرة قصر الاتحادية التى أظهرت ممارسة الإخوان ومناصريهم للعنف.. كان واضحاً أن هذه القيادات ليس وراءها سوى الفشل.. فقد فشلت وهى فى قمة هرم السلطة فى إدارة الأزمة مع القوى السياسية التى كانت تطالب بثلاثة أمور؛ أولها: إقالة حكومة هشام قنديل، تلك الحكومة الهزيلة والمتواضعة والفاقدة للطموح، ثانيها: تغيير النائب «الخصوصى» الذى تم تعيينه على خلاف القانون، وثالثها: تغيير بعض مواد دستور ٢٠١٢ المختلف عليها.. كان من الممكن تحقيق هذه المطالب بأقل الخسائر، ويثبت للجميع أن الإخوان حريصون على وحدة الجماعة الوطنية.. لكن للأسف، قد أسمعت إذ ناديت حياً.. ..

(٣) لقد زعمت قيادات الإخوان أن نسبة الأقباط التى شاركت فى ثورة ٣٠ يونيو شكلت أكثر من ٦٠٪ من مجموع الثائرين، وهو ما كان سبب الغيظ والغضب منهم، وبالتالى حرق كنائسهم وممتلكاتهم عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة.. لنفرض جدلاً أن هذه النسبة صحيحة -وإن كنا نشك فى ذلك كثيراً- ألم تسأل هذه القيادات نفسها لماذا خرج هؤلاء عن بكرة أبيهم وثاروا على حكم الإخوان؟ ألم يكن ذلك دليلاً على فشلها، وعدم قدرتها على التفاهم معهم والاقتراب منهم واستمالتهم ومد جسور الصلة بينها وبينهم؟ ثم، ألا يمثل هؤلاء الأقباط جزءاً من نسيج هذا الوطن، لهم كافة حقوق المواطنة، وهم شركاء الوطن والقرار والمصير؟ هل نسيتم أن إخواننا الأقباط شاركوا فى ثورة ٢٥ يناير، وأن مشاركتهم كانت قوية وفعالة، وأثبتت بما لا يدع مجالاً لشك أن الشعب المصرى على اختلاف شرائحه وفئاته جسد واحد وكتلة واحدة؟ ألم تسألوا أنفسكم، ما هو الحال لو أن هذه المشاركة لم تحدث أصلاً؟ ونتساءل: لماذا قبلتم مشاركتهم فى ثورة ٢٥ يناير، بل وسعدتم بها أيما سعادة، ورفضتم مشاركتهم فى ثورة ٣٠ يونيو؟ هل لأنها ضدكم؟ وأين الديمقراطية إذن؟ لقد نسيتم تصريح الدكتور مرسى الذى قال فيه أثناء الحملة الانتخابية إنه لو ثار ضده ١٠ آلاف مواطن فسوف يتنحى عن السلطة.. لكن، هناك -كما يقال- فارق بين القول والفعل، خاصة إذا لم يكن فى صالح من قال(!)

(٤) للأسف، تراهن قياداتكم على أعمال العنف والإرهاب، على الرغم من أن الجماعة ظلت لفترة تزيد على أربعين عاماً (منذ منتصف السبعينات وحتى عقب ثورة ٢٥ يناير)، بعيدة عن العنف ولا صلة لها بمرتكبيه، بل كانت حريصة على أن تضع خطاً فاصلاً بينها وبينه، وكانت مواقفها دائماً شاهدة على إدانتها واستنكارها للعنف، أيا كان شكله ومصدره.. فما الذى جرى لها ولكم؟ هل هى السلطة التى لعبت بعقول الجميع، فأنساها استراتيجيتها التى كانت تتغنى وتتفاخر بها على غيرها من الفصائل؟ أم أنها كانت خداعاً ومراوغة -أو تكتيكاً كما يقولون- للوصول إلى السلطة؟ عموماً، ماذا هى فاعلة يوم يتم القضاء على العنف والإرهاب وتصفى بؤره وتستأصل شأفته من جذورها، وهو لا بد حادث إن شاء الله؟ فالجميع يرى تلك الضربات الموجعة التى وجهت ولا زالت توجه للإرهابيين الذين كانوا يتصورون أن مصر يمكن أن تكون ميداناً خصباً لهم، لكن خاب ظنهم وفشل مسعاهم.. أقول بصراحة، لقد نفد رصيدكم ولن تجدوا أحداً يؤازركم أو حتى يتعاطف معكم.. (وللحديث بقية إن شاء الله).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف