كارثة بكل المقاييس أن يذاع حوار قديم لرئيس الجمهورية مع إحدى القنوات الأمريكية على أنه حوار جديد تم إجراؤه خلال الزيارة الأخيرة التى قام بها للولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة فى اجتماعات مجلس الأمن، لكننى لا أجد أية وجاهة للتفسيرات التى رطرط بها البعض التى تذهب إلى أن هذه السقطة مقصودة، وأن وراءها مجموعة من الإخوان أو المتأخونين المزروعين داخل ماسبيرو، وغير ذلك من تيمات مللنا الاستماع إليها من طول تكرارها. من يردد هذا الكلام لا يريد إصلاح هذا الصرح، بل يحلو له أن يختفى من الوجود، لأسباب يعرفها جيداً من يدعون إلى التخلص من مبنى ماسبيرو.
دعونا نكون منصفين، ونقول إن الإهمال ليس حكراً على مبنى ماسبيرو وحده، بل يعشش فى العديد من مؤسسات الدولة المصرية. يخيل إلى أن كلامى لا يحتاج إلى برهان، فالأمثلة على ذلك تتراقص حولنا فى كل دقيقة. إهمال «ماسبيرو» له أسبابه، وجوهرها أنه ببساطة جهاز حكومى، تتفشى فيه كل الأمراض التى تنتشر فى أنحاء المؤسسات الحكومية. ومنذ سنين طويلة والدعوات لا تتوقف لإعادة الاعتبار إلى التليفزيون المصرى كتليفزيون دولة، وفارق كبير بين «تليفزيون الدولة»، و«تليفزيون الحكومة»، فتليفزيون الدولة يعبر عن كل أطيافها وقواها وأحزابها وتنوعاتها الثقافية والعقائدية، لأنه ببساطة تليفزيون الجميع، ولا يفرق معه صعود سلطة وتوارى أخرى، لأنه يؤدى دوره فى سياق مفهوم «الخدمة العامة»، أما تليفزيون الحكومة أو الحكم، فهو لا يزيد على بلياتشو، يتلون مع كل سلطة بمساحيق جديدة. لعلك تذكر تحولات التليفزيون المصرى بعد ثورة يناير، وكيف عبر عن الحكام والحكومات الذين تداولوا على بر المحروسة طيلة السنوات التالية، وصل إلى حد إطلاق لحيته أيام حكم الإخوان!.
إنه تليفزيون «ميرى» يسوده الإهمال، مثل المستشفيات الميرى والمدارس الميرى وخلافه. وحل مشكلة الإهمال لا يعنى بحال الإغلاق أو التدمير، اللهم إلا إذا تقبلنا -على سبيل المثال- فكرة وأد الأبناء المهملين دراسياً. التليفزيون المصرى يحتاج إلى منظومة برامج كمبيوترية تقوم بمهام التدقيق والمراجعة، حتى لا تحدث مثل هذه الفضائح، التليفزيون بحاجة إلى تفعيل وحدة لمراقبة الجودة، وليس المراقبة الأمنية للرسالة التى يبثها المصريون -وضع ما شئت من خطوط تحت كلمة المصريين- الذين يعملون فيه، التليفزيون بحاجة إلى قيادات إعلامية حقيقية تفهم فى المهنة أكثر مما تفهم فى ألاعيب الموظفين وانكفائهم أمام السلطة حتى يحتفظوا بمناصبهم، التليفزيون بحاجة إلى برامج تدريبية حقيقية ترتقى بمستوى الكوادر التى تعمل فيه، التليفزيون بحاجة إلى إعادة هيكلة على مستوى العاملين به، دون الإضرار بحقوقهم كمواطنين يعملون بهذا الجهاز.
أتعجب للغاية من بعض الأصوات التى بدت شامتة فى «ماسبيرو»، من أصحاب المصاطب الإعلامية على عدد من القنوات، وبعضهم تربى داخل هذا الصرح الإعلامى، أعيب عليهم غلبة الهوى والغرض وليس الحزن على ما آل إليه وهم ينتقدون أداءه الذى أتفق مع الجميع فى أنه يحتاج إلى إصلاح، ولكن ليس بهذه الطريقة. أعطوا التليفزيون المصرى الاستقلالية وامنحوه فرصة لتقديم خدمة إعلامية تحتكم إلى معايير مهنية حقيقية، وسوف ترون منه الكثير، المسألة ليست فى تغيير قيادة أو المجىء بأخرى.. المسألة فى تغيير الفكر..!.