محى السمرى
الموت غرقاً أو جوعاً.. كلاهما مر!!
من حق كل إنسان أن يحلم بما يريد تحقيقه في دنياه الواقعية.. ولكن تحقيق الحلم يلزمه أسس لابد من توافرها.. فالإنسان الحالم بأن يترك وطنه إلي وطن آخر بحثاً عن لقمة عيش أفضل.. وعن مستوي معيشة أحسن.. وثروة مالية تعينه علي المستقبل.. فلكي يحققها لابد من توافر امكانيات نفسية وإتقانه للغة الأجنبية.. وأن يعي ويعرف بكل قواعد وتقاليد وعادات المجتمع الجديد الذي يريد أن ينضم إليه وأن تكون هجرته قانونية أي لا تتعارض مع قوانين البلد الآخر.. ماذا وإلا فإن مصيره الهلاك أو الدمار أو التعرض لسوق النخاسة أو لابتزاز تجار البشر.. وهذا ما ينطبق حالياً علي الذين يقومون بالهجرة غير الشرعية.
وقد ظهر في السنوات القليلة الماضية نوع آخر من الهجرة غير الشرعية.. هي هجرة جماعية لأبناء دول تعرضت لحروب أهلية وتدمير بشري وحرمانه من أبسط قواعد الإنسانية واضطروا إلي ترك بلادهم في جماعات معرضين أنفسهم لجو شديد البرودة أو شديد الحرارة ولصعوبات ما أنزل الله بها من سلطان في الطرق وعبور الحدود.. ثم ما تعرضوا له من هوان وعذاب كانوا هم في غني عنه لو لم تحدث لهم ولبلادهم هذه الحروب الأهلية.. وهذه الظاهرة في حاجة إلي تدخل دولي وإيجاد حل جذري لمعاناة هؤلاء البؤساء مع ذلك فإن الهجرة لم تكن فقط للحالمين بحياة أفضل ولكنها أيضا حدثت لشعب مقهور حلم بأن ينعم بحياة هادئة بعيدة عن التوتر وعن قتال لا ذنب لهم فيه.. كما اعتادوها من قبل.
الحقيقة أن الهجرة غير الشرعية لا تتم فقط من السواحل المصرية أو سواحل شمال افريقيا ولكنها ممتدة إلي بلاد أخري كثيرة.. فهناك مثلاً هجرة غير شرعية من بعض دول أمريكا اللاتينية ومن المكسيك إلي مدينة ميامي وغيرها من مدن ولاية فلوريدا لدرجة أن اللغة المتعارف عليها في الحديث هي اللغة الاسبانية أو المكسيكية وليست اللغة الانجليزية.. وهناك أيضا هجرة غير شرعية من بعض دول آسيا ومن الصين إلي استراليا وكثيرا ما حدث لهم "بلاوي" في الطريق وغرق للمراكب التي تنقلهم في المحيط.
ولكن ربما لبُعد المسافات أو لانشغالنا بهذا العدد الهائل من عمليات الهجرة غير الشرعية عندنا.. فإن ما يجري ويتكرر باستمرار يجعلها أكثر انتشاراً وذيوعاً.. فلا يمر شهر واحد إلا ونسمع عن جهود جبارة لحراس الحدود في منع مراكب تنقل مهاجرين غير شرعيين جنسياتهم من مصر ومن بعض الدول الافريقية ولكن لأن سواحل شمال افريقيا بما فيها مصر طويلة وممتدة وأن هذه السواحل هي الأقرب بالنسبة لأوروبا ولأن مناطق كثيرة منها بعيدة عن الحراسة فإن نشاط عصابات التهجير لجأت إلي هذه الأماكن الساحلية سواء في مصر أو ليبيا أو تونس وغيرها وذلك بعيداً عن أنظار الأمن وإن كان عدد كبير منها يتم منعه.
وبالطبع فإن الهجرة غير الشرعية تتم من خلال عصابات دولية لها فروع سرية في بعض الدول وقد سمعت مرة عن أحد الأشخاص الذين حاولوا الهجرة إلي ايطاليا ولكن لأمر ما فشل ولم يترك بلده واستطاع أن يعوض فشله في الهجرة بإقامة مشروع تجاري حقق له نجاحاً ويمضي يقول إن الدنيا ضاقت به ووجد أن الموت غرقاً أفضل أو يتساوي مع الموت جوعاً.. فكلاهما خلفه عذاب ولم يكن لوحده الذي يعاني بل ان هناك عشرات إن لم يكن مئات راغبون في الهجرة وظهر في ذلك الوقت شخص عرفنا فيما بعد أنه سمسار للتسويق لهجرة غير شرعية من خلال مركب صيد ولا ندري مستواها.. وظل يزين لنا أهمية هذه الهجرة وأنها آمنة تماماً وسيجد المهاجر كل ما يريده لتحقيق حلمه في حياة رغدة.. وظل يتحدث عن فتيات ايطاليا الحسناوات وأن الزواج من أي منهن يفتح الأبواب للشخص المهاجر.. وطبعاً لم يتحدث عن "البلاوي" التي تنتظر أي مهاجر إذا كتب الله له السلامة ووصل إلي سواحل ايطاليا.. حيث يتعرض لشتي أنواع العذاب بما في ذلك الترحيل والطرد إلي نفس البلد الذي أتي منه.. المهم أنه لتحقيق ذلك طلب مبلغاً خيالياً يصل إلي عشرات الآلاف من الجنيهات.. ولأن هناك أملاً اعتقدنا أنه حقيقي وبعت كل ما أملك ورهن أبي قطعة من الأرض واستدنت من طوب الأرض.. وعندما حان موعد السفر في منتصف ليل أحد الأيام فجأة انتشرت في القرية أخبار عن غرق مركب كان بها بعض أبناء قريتنا وكانوا مسافرين لنفس غرض سفرنا.. وهنا أدركت مدي خطورة ما سنقوم به.. خاصة أن السمسار قد أعطي كل منا أحزمة نجاة وعوامات قائلاً إن المركب سترسو بعيداً عن السواحل الايطالية وعلينا أن نقطع هذه المسافة سباحة.
ومضي يقول في لحظات حزن أخري: قررت عدم السفر وذهبت إليه واستخدمت معه كل أشكال العنف حتي استعدت أكثر من 60% مما دفعته.. واستخدمتها في تجارة بسيطة نمت وكبرت وأصبح لي متجر كبير ويمكنني الآن أن أسافر إلي أي دولة مصدراً أو مستورداً بدلاً من "الخيبة" التي كنت سأقع فيها.
هذه حكاية سمعتها فعلاً من أحد الأشخاص وهي حقيقية في جملتها.. وبصراحة يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي إزاء هذه الظاهرة.. فالهجرة غير الشرعية تكلف صاحبها مبالغ طائلة لو تم استغلالها في مشروع معين لحقق له فوائد ضخمة كما تحقق لصاحبنا.. ولهذا أعتقد أنه لابد من تحرك خبراء وزارة التضامن الاجتماعي والمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في عقد ندوات في مختلف القري التي تكثر بها حالات الهجرة ولكي يبينوا لهم الأضرار الجسيمة للهجرات غير المشروعة سواء من ناحية الخسارة المادية والخسارة البشرية.. والدعاية السيئة للبلاد.
اتجهوا إلي نصح الناس ومدهم بالمشورة وإقناعهم بالبقاء في بلادهم مع توفير امكانيات تحقيق أحلام لمشروعة وحقيقية ومستمدة من الواقع.