المساء
محمد جبريل
ع البحري - يوم في اليرموك
في أواخر القرن الماضي زرت سوريا لحضور اجتماع مجلس إدارة اتحاد الكتاب العرب. وأنا أتهيأ ــ في الصباح ــ لمغادرة الفندق. نبهني السائق إلي أن كسوف الشمس في ذلك اليوم قد أغلق معظم الأمكنة. واقترح أن تقتصر جولتنا في العاصمة السورية من داخل السيارة. فلا مجال لدخول ما ينبغي زيارته.
كل الأماكن التي شاهدتها ــ من داخل السيارة ــ كانت مغلقة. حتي الجامع الأموي الذي كنت حريصاً علي زيارته. أغلق أبوابه المقابلة لسوق الحميدية. ومحال السوق كانت مغلقة. نزلت إلي الطريق. أشاهد ــ بالخيال ــ صورة الحياة في السوق التي ظلت في ذاكرتي منذ ضمنتها صباح أغنية لها زمن الوحدة.
قال السائق لخيبة الأمل في ملامحي : هناك مناطق أخري لا شأن لها بالكسوف. ومضي بالسيارة في شوارع دمشق الواسعة. حتي بلغ منطقة أشبه بأحياء القاهرة الشعبية. فتح الباب وقال بنبرة مرحبة : مخيم اليرموك.
السائق اسمه أحمد الصعيدي فلسطيني وإن وشي الاسم بانتماء عائلته إلي صعيد مصر. سبقني الي محال يعرف أصحابها. ويعرفونه. حافلة بالبيع والشراء. جاوز بها فسطينيو مخيم اليرموك عقم النفي خارج أرضهم. لا صلة لصخب الحياة بالسكون الذي فرضه الكسوف علي العاصمة. عدت محملاً بمشاهدات ولقاءات ظلت في ذاكرتي. أستعيدها في متابعتي للمعارك التي تلامس المخيم. وهو - بالمناسبة - يعكس معني التسمية. مدينة صغيرة. تختلط البنايات العالية الأنيقة والشوارع الفسيحة بالدور المتهالكة والحواري والأزقة. وإن فرضت الحياة إيقاعها علي مفردات المكان.
أعادت الأحداث الأخيرة التي يشهدها اليرموك ذلك اليوم البعيد إلي ذاكرتي. الإصرار علي مقاومة النفي بالعمل. والإضافة للحياة. يواجه حرباً شرسة لا ناقة لقاطني المخيم فيها. ولا جمل. علي حد تعبير شيخنا المراغي.
من حق الأجيال الحالية من الفلسطينيين أن نرفع عنها ظلماً أقسي مما واجهته الأجيال السابقة. بيانات المؤسسات الدولية تؤكد خطورة الأوضاع داخل اليرموك. وتهيب بالمجتمع الدولي إنقاذ الألوف من الأبرياء الذين يعانون الآن ظلماً مضاعفاً.
المخطط الصهيوني والاستعماري لا يريد أن تفلت بقعة في الوطن العربي من الاقتتال والتدمير. جعل من دعاوي المغالاة في الدين عاملاً لفرض الإرهاب. كما جعل الراية السوداء شاهداً علي المأساة التي تعلو أمامنا في نهاية الأفق.
ما يجدر بنا أن نعيه. ونتحرك لدرء أخطاره. أن المؤامرات لا تستثني. وإنما تشمل كل الأقطار العربية.
قلبي علي اليرموك!
قلبي علي الوطن العربي!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف