المصرى اليوم
حمدى رزق
على رجليه نقش الحنة!
الحمد لله الحكومة اجتمعت «السبت» لمناقشة غرق مركب رشيد عصر «الأربعاء»، حكومة لا تجتمع فى الإجازات والعطلات الرسمية، كارثة وطنية ورئيس الوزراء على رجليه نقش الحنة، يجرى اتصالات، وتصدر عنه بيانات، رئيس الوزراء يتابع، رئيس الوزراء يجرى اتصالات بوزير الصحة ووزيرة التضامن ومحافظ البحيرة، ولا يغبّر قدميه إلى رشيد، يقف أمام البحر، يقرأ الفاتحة على الأرواح.

حكومة لا ينخلع قلبها عند غرق أولادها فى البحر متبقاش حكومة، الحكومة التى لا تعلن الحداد العام حزناً على غرق أولادها متبقاش حكومة، رئيس الوزراء الذى يناقش كارثة بحجم كارثة رشيد فى مكتبه المكيف فى قصر العينى ميبقاش رئيس حكومة، مكانك هناك على الشاطئ، هناك وسط الناس الغلابة المكلومين، تواسى وتتابع وتقف على رأس الميت حتى دفنه، أقلها ثواب عند ربنا.

كارثة بهذا الحجم تشل بلد.. وتشيل حكومة، لكنها حكومة دماغها ثقيل، قلبها ميت، عقلها بارد، وأطرافها مشلولة، حكومة تتوالى فوق رأسها الكوارث تباعاً ولا تنتفض، وتحس أنها غائبة عن الوعى تماماً أو مغيبة بالكلية، ستصرف تعويضات مالية.. والبقية فى حياتكم.

حكومة ترى صور أطفالها الغرقى تقطع القلب مرمية على الشاطئ وجالها قلب تكلبش الناجين، دون أن يجفل جفنها، وتصدر بيانات ميتة معلبة، بكلمات من مخرجات ثلاجة الموتى، حكومة لا تخف إلى كارثة، ولا تغبّر قدميها فى عزاء، ورئيس الوزراء مقضيها تليفونات لسرعة استخراج تصاريح دفن الجثث، وإكرام الميت دفنه!!.

حكومة بعافية، لسان حالها «إيه اللى ركبهم البحر»، حكومة مفروض تسيطر على البر والبحر تخرج من تحت باطها حمولة ثقيلة من البشر فى غفلة من البشر، وتحت جنح الظلام، وتشق طريقها إلى عرض البحر، وهم عنها غافلون بل قل وبعضهم متواطئون، حكومة غفلت عن الهجرة غير الشرعية طويلاً، وهى تعرف على الخريطة مكانها وشواطئها وقراها ونجوعها وسماسرتها، حكومة ولفت على الكوارث.

ألم يسأل رئيس الحكومة نفسه أو سأل وزراءه، مركب بالحجم ده، بالحمولة دى، من كل هذه القرى، لم يتسرب خبره إلى مسؤول واحد يقظ، واعٍ، مفتح عينيه، ليتحرك باكراً ويبلغ ويمنع الكارثة، لكن للأسف هناك تواطؤ عام، تواطؤ بالصمت.

للأسف حكومة غفلت عن شعبها تماماً، حكومة قصر العينى لا تحكم الأطراف، حكومة للأسف تعلم، ورجالها فى محافظات الغرق يعلمون، والكل كليلة يعرف أن المراكب تجول الشواطئ تحمل بشراً، لكنها ملهية عنهم بفطر الإرجوت والناس مش لاقية فطورها.

تباطؤ يصل إلى حد التواطؤ على حياة البشر، الموت يحصد الأرواح فى البر والبحر، والحكومة تفكر وتفكر وتفكر، لسه هتدرس أسباب الهجرة غير الشرعية وسبل منعها، والحيلولة دون تفاقمها، حكومة لا ينفطر قلبها فتخرج من تابوتها غاضبة مزمجرة، لو كانت هذه الحكومة على موجة الشارع لعقدت اجتماعها هناك فى رشيد، وهى تنظر إلى البحر الذى خطف ولادها.

ليس أول مركب، ولن يكون الأخير، وستخرج المراكب تباعاً، وستمرق بعضها إلى الشواطئ البعيدة وستغرق أخرى، لماذا يفضلون الموت غرقاً على الحياة، لماذا تقذف العائلات بأطفالها فى موج البحر، لماذا تخرج النساء إلى البحر فى مغامرة محفوفة بالموت؟ أن يسود شعار «كلها موتة»، وموتة فى البحر زى موتة فى البر، وإحنا كده كده ميتين، موتى على قيد الحياة.

أسباب الحياة، هل وفرت الحكومة أسباب الحياة حتى تعاقب الناس على الموت وتكلبشهم، هل وجد هؤلاء ضالتهم التى ينشدونها عبر البحر، لماذا يبيع المصرى هدومه ليركب مركب الموت؟ لا تسألن عن السبب، الناس مش غاوية موت وخراب ديار، عيب تقول إيه اللى ركبهم البحر، والأصل هو إيه اللى رماك على المُر!!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف