المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
بقايا المنتجات.. ثروة!
المادة لا تفنى.. هذه حقيقة علمية.. وإذا وجدنا شعوباً تستغل كل شىء.. ولا تلقى أى شىء فهذه هى قمة الاقتصاد.. وعالم الاقتصاد هو من «يقتصد» أى يحسن الاستفادة من كل شىء.. وفى المقابل نجد شعوباً تهدر ليس فقط هذه البقايا.. بل المادة الأساسية نفسها.. وأعتقد أن الصين هى رائدة الاستفادة من كل شىء.. وأى شىء.. ولا تلقى شيئاً، ومن المؤكد أن قمامتنا تمثل ثروة عظيمة، لو كانت عند الشعب الصينى.. فاهمين قصدى إيه.. ورغم ذلك «الهدر» الذى يصيب حياتنا، نعترف بأننا نحسن أيضاً الاستفادة من بعض المخلفات.. بل هى ثروة حقيقية، يفوق ثمنها حتى ثمن المادة الأصلية، ودعونا نقدم بعض هذه:

الردة.. أو رجيع الكون.. وهى قشرة حبة القمح سعرها أعلى من سعر الدقيق القمح نفسه!! فهى تمثل مكوناً أساسياً فيما يقدم من أعلاف للتسمين وتكوين اللحوم، وطن الردة أغلى من طن الدقيق، وكذلك مادة الكُسب، وهى بقايا عصر بذور القطن- عندما كان عندنا محصول للقطن- هذا الكسب غنى جداً بالبروتين والزيوت والمعادن والأملاح.. ولذلك يقدم علفاً للماشية بكل أنواعها.. وكانت تتهافت عليه مزارع تربية وتسمين المواشى، وهو داخل مصانع أو معاصر زيت بذرة القطن.. أما الكسبة، فهى ما يتبقى من عملية عصر السمسم، إذ نأخذ هذا العصير لنستخدمه زيتاً للطعام، وهو ما كنا نطلق عليه «زيت السيرج» نسبة إلى السرجة، أى مكان عصر السمسم، كما نأخذ منها الطحينة، وما أدراكم ما الطحينة والحلاوة الطحينية سادة وبمكسرات، ولا يحلو السمك مشوياً أو مقلياً إلا مع سلطة الطحينة، ربما بسبب زيتها، وربما بسبب ما بها من بروتين نباتى ومعادن وأملاح.. ودهون نباتية.. أما ما يتبقى من عملية العصر، فإننا نطلق عليه «الكسبة» وهى مادة يعرفها أبناء دمياط وبورسعيد، وغيرهما، وتستخدم «غموساً» للخبز، ويستحب أكلها شتاءً للتدفئة.. ولقيمتها فى مقاومة برد شتاء مدن سواحل مصر.. وكم كنت أعشقها ومازلت.

وهناك قشر الفول- من المدشة- واسألوا السفير جمال بيومى عن ماكينة «دش» الفول لنصنع منه الفول المدشوش، أى المجروش.. وقشر الفول هذا من أغنى الأعلاف للحيوانات.. وهو أيضاً غذاء طيب إذا طلبنا زيادة لحم المواشى، ولذلك يعمد المربى إلى تقديم قشر الفول مع الردة للأغنام وغيرها ليزيد لحمها قبل شهر من موعد ذبحها!! هذا القشر مع «التبن» من أغلى الأعلاف.. تماما مثل الدنيبة التى كانت تحصد مع الأرز وهى من نواتج عملية تبييض الأرز، فى المضارب، وكذلك عيدان الذرة، جافة وخضراء.. وكلها من أغنى الأعلاف.. وحتى «سرس» زى قشر الأرز الذى ينتج عن عملية ضرب الأرز يستخدم أيضاً، وكان أكثر استخدامه فى فرش الغرف «الطينية» زمان، طلباً للدفء فى بيوت الفلاحين.. أو فى السرادقات للأفراح والتعازى، أو دور السينما زمان.. ولكنناـ فى مصرـ نحرق هذا «السرس» مع قش الأرز، لأننا لسنا جادين فى الاستفادة منهما.. وأقسم أن الألمان صنعوا من مثل هذه المخلفات غرفا للنوم أجمل ألف مرة مما تنتجه أعظم الدول من أثاث!!

وربما نجحنا فى الاستفادة من مخلفات بعض المنتجات الزراعية.. ها هو ورق العنب الذى نقلناه عن القبارصة واليونانيين بعد أن صنعوا منه «محشى ورق العنب» الشهير.. وأصبح من أهم أطباق المحشى عندنا وعند معظم من يزرعون العنب فى دول حوض البحر المتوسط.. وربما كان سبباً فى استخدام المصريين لورق اللفت وورق الخس وأيضاً الكرات والبصل الأخضر، وتحويلها إلى أجود أنواع المحشى.. وينافس أحيانا محشى الكرنب الشهير، بما فيه من كربوهيدرات.. وإياكم وإلقاء ورق الكرنب الأخضر لأنه علمياً أفضل بما فيه من أملاح ومعادن أكثر لأن هذا الورق الأخضر أكثر تعرضاً لأشعة الشمس.. لأن كل ما هو أخضر.. هو الأفضل!

■ ■ وحتى نوى البلح.. هو أفضل علف للجمال وللتربية!! وكذلك روث الحيوانات نقدمه مجففاً باسم «الجلة» وقوداً للأفران البلدى فى البيوت وغيرها.. أى هو نوع من الوقود الحيوى.. القديم الحديث.. وقد لا يعرف بعضنا أن مخلفات الطيور وبالذات الحمام والعصافير هى أعلى الأعلاف قيمة لتسميد الأرض.. وزيادة محصولها.. ودون أى «قرف» هناك من يستخدم مخلفات الإنسان «الحمأة» سميداً للأرض، وبالذات البطيخ بعد تجفيفها!!

■ ■ وقشر الرمان.. يأكل الإنسان حبوب الرمان «حامض.. حلو» ويستخدم القشور طازجة أو مجففة.. علاجاً لكثير من أمراض البطن بل طارد للديدان.. وما أكثرها فى بطن المصرى!!

■ ■ وبقايا عصر قصب السكر.. نستخرج منها الخل، وبإعادة العصر نستخرج العصير الذى يدخل أيضاً فى صناعة العسل الأسود.. وحتى بقايا القصب، إما نقوم بتصديرها للخارج.. أو نستخدمها وقودا فى مصانع السكر نفسها.. وكذلك بقايا بنجر السكر وأوراق البنجر..

ترى هل نحسن كمصريين استخدام كل هذه البقايا؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف