عبد الرحمن فهمى
كيف كنا نغطي الأحداث الخارجية؟!!
من ذكرياتي الصحفية القديمة عام ..1956 وكانت جريدة "المساء" الصحيفة الوحيدة التي تخصص صفحتين كاملتين للرياضة.. وقعنا في مأذق.. قررت مصر مقاطعة أولمبياد ملبورن باستراليا نظراً لاشتراك رئيس وزراء استراليا. وكان شخصية عالمية مشهورة. اشترك في العدوان الثلاثي.. وكان الكلام مع رئيس التحرير خالد محيي الدين. شفاه الله وعافاه. ومعنا المرحوم محمد عبدالقادر حمزة. مدير التحرير. الذي كان يوماً نقيباً للصحفيين.. كان الكلام عن موقفنا من هذه الأوليمبياد العالمية. التي تتابعها كل شعوب العالم.. وكان الرد من رئيس ومدير التحرير الاستهجان من مجرد السؤال؟!!!.... مصر تقاطع الأوليمبياد. ولا تشارك فيها بلاعبيها ولاعباتها. ولكن ما ذنب القراء الذين تعلقوا بصفحات الرياضة. ويريدون معرفة كل ما يدور في هذه الاحتفالية العالمية التي لا تتكرر إلا كل أربع سنوات؟!!
وهنا ظهر السؤال: كيف سنغطي أخبار هذه الاحتفالية؟!.. وكنا قد اتفقنا مع بعضنا داخل القسم بأن عادل شريف خير معلق تليفزيوني في التنس الذي أحب الناس لعبة التنس من تعليقاته الطريفة للغاية.. اتفقنا علي سفر عادل الشريف مادمنا سنغطي البطولة.. وقررنا تخصيص صفحة كاملة لها.
في اليوم التالي.. فوجئت بأستاذنا الكبير خالد محيي الدين يخرج من حجرته. وينادي عليَّ!!.. ويقول لي بأعلي صوته:
ــ يا مجنون.. انت عارف سفرية عادل شريف تكلف الجريدة كام؟!.. سفر وإقامة وبرقيات.. بطَّل جنان!!
لا أتذكر الرقم الآن.. ولكنه كان خيالياً باقتصاد ذلك الوقت. والجريدة وليدة. وإيراداتها لا تتحمل هذه المبالغ.. طيب.. ماذا سنفعل؟!!.. وقد خصصنا صفحة كاملة للأوليمبياد؟!.. خلال دردشة مع أحد أساتذتي القدامي وهو يوسف الصباغ.. قال لي: إن إحدي وكالات الأنباء الكبري ممكن أن تتفق معها لتغطية البطولة بجانب برقياتها العادية المختصرة للنتائج فقط. وتغطي لك البطولة بقصص جانبية وأخبار غريبة وصور كما تريد. ولن تأخذ الوكالة أكثر من واحد علي عشرين من تكاليف سفر الصحفي.. وقد كان.
وكانت الصحف الجزائرية والمغربية تعيد نشر بعض ريبورتاجاتنا!!!
تمر الأيام.. ويصدر صلاح سالم قراراً بنقل كل قسم "المساء" الرياضي إلي "الجمهورية" في ديسمبر ..1959 "مات صلاح سالم في أوائل الستينيات".. وتمر أيام أخري وتقع نكسة ..1967 وتقرر أم كلثوم جمع تبرعات وذهب ومجوهرات سيدات مصر.. في نفس الوقت أقامت عدة حفلات في بعض البلاد العربية.. ثم تقرر إقامة الحفل الذي كان حديث العالم كله علي مسرح أولمبيك بباريس.. تغني أم كلثوم بالعربية في بلد لا يتكلم إلا الفرنسية!!.. وقبل الحفل بأسبوع كان العرب في باريس وفرنسا عموماً قد اشتروا كل التذاكر وهناك مئات أخري تريد حفلاً ثانياً في انتظار موافقة أم كلثوم.
اجتمع مجلس تحرير "الجمهورية" برئاسة أستاذي فتحي غانم.. وكان الكلام عمن سيغطي رحلة أم كلثوم والأهرام والأخبار لهما مكتبان في باريس.. مكتب "الأهرام" في شارع الشانزليزيه. في هذه الأيام. وكان فوق أشهر مقهي في العالم مقهي "فوكيه" كان المكتب يقدر ثمنه بالملايين.
اضطر الأستاذ هيكل إلي بيعه خلال بناء المبني الجديد واستأجر شقة في حي سكني!!.. المكتبان سيغطيان الرحلة علي خير وجه لوجود أكثر من محرر بهما.. ماذا سنفعل نحن في "الجمهورية"؟!!.. تذكرت حكاية أوليمبياد ملبورن. وكانت تغطية "المساء" إحدي علامات الطريق في "المساء"!!!... وكان قرار المجلس هو استدعاء المسئول عن وكالة الأنباء الفرنسية في مصر.. واجتمعنا مع مندوب الوكالة ليرسل لنا رسالة كاملة بالصور كل يوم.. ولا تهمك التكاليف.. لدرجة أن المندوب سافر علي نفس طائرة أم كلثوم ذهاباً وإياباً "وكشفنا" الجريدتين المنافستين. لدرجة أن أم كلثوم ما أن وصلت القاهرة حتي اتصلت بفتحي غانم تطلب منه تحديد يوم لتزور فيه "الجمهورية".. وهذه قصة طويلة أخري.. اقرأوا الفاتحة علي صحافة زمان!!!.... يا خسارة.