كتبت في هذه الزاوية يوم الأحد 11 سبتمبر الجاري مقالا بعنوان "افعلها يا شيخ الأزهر" ناشدت فيه فضيلة الإمام الأكبر الدعوة إلي مؤتمر عام لكل المذاهب والطوائف الإسلامية. يجمع شتات الأمة التي مزقتها الخلافات والاختلافات. ويعترف فيه الكل بالكل. تحت لافتة "إسلام بلا مذاهب" أو "أهل القبلة والقرآن.. أهل الإسلام".. ويخصص للتقارب بين المسلمين بعيدا عن صراعات وحروب ومصالح الدول.
وكان تقديري أن هذا المؤتمر سيكون أبلغ رد علي مؤتمر "جروزني" المريب. الذي كان مقصودا لتوريط الأزهر في تقسيم الأمة ودق إسفين بين الأزهر ومختلف المذاهب. وتحديدا المذهب الوهابي في السعودية الشقيقة. خاصة أن الأزهر له تاريخ وتجارب مشهودة في التقريب بين المذاهب. ونشر قيم الوسطية الإسلامية التي تجمع ولا تفرق.
لكن بعد مرور حوالي أسبوعين لم أتلق ردا من الأزهر. سلبيا أو إيجابيا. ربما جاءت دعوتي في وقت غير مناسب. وربما كانت هناك ظروف لا أعلمها قد حالت دون الاستجابة للاقتراح أو حتي الرد عليه. وأنا علي كل حال ممن يلتمسون الأعذار ويحسنون الظن بالأزهر ورجاله. وأعمل دائما بالمبدأ الإسلامي: "التمس لأخيك عذرا. فإن لم تجد له عذرا فقل لعل له عذرا".
لذلك قد يكون من المناسب أن أتوجه باقتراحي ودعوتي ومناشدتي عبر هذه الزاوية إلي خادم الحرمين الشريفين. كما تستضيف السعودية هذا المؤتمر "الدولي" الذي يرفع راية التسامح والحوار وقبول الآخرين من أصحاب المذاهب والطوائف المختلفة. انطلاقا من القاعدة القرآنية: "ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا".
فكل من أعلن التزامه بأركان الإسلام وثوابته. وصلي إلي قبلة المسلمين. وتعبد بالقرآن الكريم. واتبع سبيل محمد - صلي الله عليه وسلم - وألقي السلام علي أمته فهو مسلم. بصرف النظر عن الخلافات والاختلافات الفقهية والسياسية.
هو لقاء أهل المذاهب والطوائف. وليس لقاء دول. مؤتمر للأئمة والعلماء وقادة الرأي والفكر وليس للرؤساء والرسميين. ولهذا من الأفضل أن تقوم علي رعايته والدعوة إليه واحدة من المؤسسات الدينية غير الرسمية وغير الحكومية حتي لا يساء فهم الهدف النبيل الذي يرمي إليه.
والحقيقة أن السعودية تطبق علي أرض الواقع هذه الفكرة التي يتغياها المؤتمر المنشود. فكرة اتساع الصدر لكل من يعلن أنه مسلم. فهي تستقبل المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها في مواسم الحج والعمرة. لا تفتش في الصدور عن المذاهب. ولا تسأل عن الطوائف. بل تسمح لكل من أثبت في جواز سفره أنه مسلم بالدخول إلي أقدس المواقع علي ظهر الأرض وأداء المناسك. يأتيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر من كل فج عميق. لا تهتم حتي بالدولة التي جاء منها هذا أو ذاك.. كل الإجراءات والضوابط مركزة علي توفير الأمن للجميع.
وهذا بالضبط ما نرجوه للمؤتمر المنشود. أن نقول للعالم إننا قادرون علي الالتقاء والتعايش والتسامح والتفاهم والقبول المتبادل رغم ما بيننا من خلافات واختلافات. وإذا كان بمقدورنا أن نجري حوارات مع أصحاب الديانات الأخري لتحقيق التفاهم المشترك فمن باب أولي أن نجري حوارات مع أبناء الدين الواحد المختلفين مذهبيا. حتي تضيق الفوارق والفجوات التي تفصل بيننا. والتي يستغلها الأعداء لبث الضغائن وتعميق الهوة وإشعال الصراعات والحروب المذهبية بيننا.
فلتفعلها السعودية إذن. بكل ما لها من نفوذ في العالم الإسلامي. وسوف يكتب لها السبق. ويسجل لها الثواب العظيم. لأنها جمعت شتات الأمة في وقت عصيب. وبادرت إلي تجميع الصفوف في زمن الفرقة والفتن. وأصلحت ما أفسده المتآمرون.
لتكن الحروب بين الدول باسم المصالح وتضارب السياسات والتحالفات ولكن ليس باسم الدين. ولا باسم المذاهب الإسلامية.