تتردد مقولة منسوبة إلى «العقلاء» فى فرنسا تقول: ليس كل المسلمين إرهابيين، لكن سرعان ما يلتقط البعض،ولأغراض متعددة تلتقى جميعها فى الطابع العنصري، برد يقول: لكن كل الإرهابيين مسلمون. ويمكن قبل الدخول فى تفاصيل ما رصدته خلال اقامتى الأخيرة فى فرنسا ،تلخيص وضع العرب والمسلمين فى هذا البلد بأنه فى غاية الصعوبة وقد وضعتهم داعش وأمثالها فى عين العاصفة..
فقد أجرت صحيفة ليبراسيون الذائعة الصيت، تحقيقا صحفيا حول حياة النساء العربيات والمسلمات فى فرنسا، وطبيعى أن تؤكد المحجبات أنهن يواجهن شعورا معاديا، غير أن الجديد الآن أن من لا تغطى شعرها، لا تنجو من نظرات الاشتباه والتشكك وحتى الكراهية، أينما ذهبت، حتى وان كانت فرنسية المولد والثقافة ،مادامت ملامحها تدل على أصلها العربى أو الآسيوى أو الافريقى المسلم. واللافت للانتباه، أن كل الإصدارات من صحف لمجلات وحتى الجرائد التى توزع مجانا فى محطات المترو، تتناول موضوع الساعة، الذى عكر صفو حياة الفرنسيين، خاصة بعد سلسلة العمليات الإرهابية التى زلزلت المجتمع وجعلت الارتياب فى كل ما هو عربى أمرا مقبولا، وحيث ان فرنسا على أبواب انتخابات رئاسية، فإن اليمين قد وجد فى جرائم داعش، ضالته المنشودة، وعلى رأسه زعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبن، فالمعتاد أن يستغل اليمين فى أى بلد كان، أى أزمة، اقتصادية كانت أو اجتماعية، أو مذهبية، لتأجيج نيرانها واستثمار تداعياتها لجذب أكبر عدد من الأنصار، بوهم انه وحده قادر،بالقوة والحسم، على حلها، وفى حالتنا هذه.
القضاء على الإرهاب والإرهابيين وإعادة الشعور بالأمن إلى أبناء البلد، ومن بين «وسائل العلاجى التى يطرحها اليمين الفرنسي، التخلص من اللاجئين الذين تدفقوا على أوروبا، بعد تنامى دور داعش فى كل من سوريا والعراق بنوع خاص، كذلك سد باب الهجرة فى وجههم.. وقد تحدثت مع مواطنين عاديين فى باريس أعربوا عن أساهم حيال صمت الدول العربية ومؤسساتها الدينية تجاه جرائم التنظيمات الإرهابية، لاسيما وكثيرون يتوقفون أمام سؤالى: هل شاهدتم مثل هذا «الإسلام» فى سنوات ما قبل ظهور داعش؟
وتجدر الإشارة إلى أن الفرنسيين بدأوا يتابعون فى وسائل إعلامهم، الدراسات والتحليلات والانطباعات المتصلة بظهور التنظيمات الإرهابية التى تصف أنفسها بالإسلامية، لكن المزعج أن كل من يكتب فى هذا الموضوع يصف هؤلاء، «بالجهاديين» أو «الإسلاميين المتطرفين»، وهى مصطلحات لا تجد جهة واحدة تواجهها وتؤكد بُعد هؤلاء عن الجهاد والتطرف..حيث ان المسلم المتطرف يكون شديد الالتزام بتعاليم الدين الحنيف ومبادئه، كما أن الجهاد يستحيل أن يكون بقتل الأبرياء الآمنين، فللجهاد ساحاته المعروفة.. مجلة «لوبوان» المعروفة نشرت على غلافها صورا لقيادات الحركات السلفية ونشأتها وذهبت إلى أنه، أى السلفية هى أصل التشدد فى تفسير تعاليم الإسلام وبعضها يبيح، بل يحرض على قتل من يختلف عنها فى العقيدة، الدينية أو حتى فى المذهب..
من البديهى أن صور ذبح الأشخاص وإشاعة الرعب والترويع فى المناطق التى تسيطر عليها داعش، كما فى سوريا والعراق، إضافة إلى العمليات الإرهابية التى جرت فى فرنسا وبلجيكا وغيرها، قد ولدت نفورا عاما وعلى أحسن تقدير جعلت من العربى والمسلم بشكل عام، مصدر تهديد مرجحا وليس محتملا فقط.
وعودة إلى الحملة الانتخابية فى فرنسا واحتلال الإرهاب مكان الصدارة لدى الأحزاب المتنافسة، ويخشى الفرنسيون استئثار حزب الجبهة الوطنية، اليمينى المتطرف بنسبة كبيرة من الناخبين، لكنهم يعولون على وعى المواطنين كما سبق وفعلوا عندما صفت المواجهة بين جاك شيراك وجان مارى لوبين منذ أكثر من عشر سنوات، حيث اتحدت كل الأحزاب باختلاف توجهاتها، ضد اليمين وفاز شيراك فوزا ساحقا.. والأمل أن يدرك الذين يمولون ويسلحون داعش وأمثالها، كما قال الرئيس السيسي، ان السحر سوف ينقلب حتما على الساحر، وان المعركة ضد الإرهاب لا بد أن تكون كونية، لأن الجميع سيكتوى بنيرانها.