التحرير
سامح عيد
هل انتهت جماعة الإخوان المسلمين
حالة من التردد والارتباك تواجه جماعة الإخوان المسلمين، فرغم إعلان أحد أقطاب جماعة الإخوان الدولية محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي تفويض إبراهيم منير من قبل محمود عزت نفسه للقيام بأعماله، بحيث يصبح إبراهيم منير، قائما بأعمال المرشد، أو هو الشخص رقم واحد في التنظيم ورغم إعلان هذا في قناة الجزيرة، لكن مر يومان قبل أن تنفي الجماعة هذا الخبر على لسان طلعت فهمي المتحدث الرسمي لها الآن وتنشرها على صفحتها الرسمية، وهذه الصفحة الرسمية التي أغلقت فترة طويلة في صراع علي إدارتها من قبل جناحين للجماعة، لكنها عادت منذ أسابيع قليلة. الحديث عن نهاية الجماعة سابق لأوانه، فما زالت الفكرة موجودة وما زال الأفراد موجودين، سواء في مصر أو المصريين خارج مصر، أو أجنحة التنظيم في العالم، ولا ننسي أن الجماعة ما زالت موجودة بشكل عسكري في خمس أماكن ملتهبة، حماس في غزة، وفجر ليبيا في ليبيا، وحزب الإصلاح في اليمن، حزب الدعوة في العراق، وداخل الجيش الحر وعدد من التنظيمات في سوريا، وموجودة بشكل سياسي كبير في تونس والمغرب والجزائر، والأردن، وكذلك الكويت والسودان، ومسيطرة على عدد كبير من المراكز الإسلامية في أوروبا، وقد تعرضت لضربات كثيرة علي مدار تاريخها، وكانت تخرج أكثر قوة لاعتبارات سياسية قبل أن تكون داخلية، ففي اللحظات الحرجة كانت تحتاج إليها الأنظمة لاستخدامها كجماعة وظيفية، حدث مع رئيس وزراء مصر إبراهيم عبدالهادي في العام 49 19، عندما عارض الوفد وقتها والأحرار الدستوريين تكوين حكومة ائتلافية مع عبدالهادي، أخرج الإخوان مرة أخري وأعاد التنظيم المحظور ودعَّمه نكاية في الوفد، ودم حسن البنا لم يجف، وكان عبدالهادي هو المتهم الأول بقتله بعد الملك، ولكنها البراجماتية السياسية للإخوان، ونفس الأمر حدث مع السادات في بداية السبعينيات، رغم أن السادات كان عضو مجلس قيادة الثورة وكان عضو اليسار في محكمة الثورة التي حكمت على سبعة من الإخوان علي رأسهم المرشد حسن الهضيبي بالإعدام، وكانت المحاكمة بقيادة جمال سالم وعضو يمين حسين الشافعي، وعبدالناصر هو من خفف الحكم عن الهضيبي، وأفرج عنه لاحقًا بإفراج صحي، بمعني أن ناصر كان أحن على الإخوان من السادات نفسه، ورغم ذلك أصبح الرئيس المؤمن محمد أنور السادات، وتحالف الإخوان معه تحالفا استراتيجيا لفترة طويلة، وتعامل معهم السادات بنفس الطريقة وتعامل المجلس العسكري بعد الثورة بنفس الطريقة، التنسيق والتفاهم والجماعة الوظيفية، ومن الممكن أن تعود الكرَّة مرة أخرى لأهداف سياسية، ولذلك فالحديث عن نهاية للجماعة هو كلام سابق لأوانه، وأذكِّر القراء بطائفة الحشاشين، وهي طائفة منشقة من الفاطميين الشيعة، ومن الطائفة الإسماعيلية بالذات، أسسها حسن الصباح، وقد بدأت تلك الحركة مع حسن الصباح في 1094، وانتهت في 1273 بمعني أنها اقتربت من قرنين من الزمن وبالضبط 179 عام، لسه الإخوان لم يمر عليهم إلا 88 سنة، لم يصلوا إلى قرن، وقد مر على جماعة الحشاشين 8 رؤساء أو أمراء، أو مرشدين كما يطلق الإخوان على قادتهم، في فارس و7 في الشام، وقد كانت تقوم بالاغتيالات السياسية أيضا وبأعمال العنف، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جدًا في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد. وهذا ما أمد عمرهم ولم ينه عليهم في فارس إلا هولاكو من المغول، وقضي بعد ذلك عليهم في الشام الظاهر بيبرس .
والتاريخ لا تكتبه السنوات القليلة، ولكنها العقود وأحيانًا القرون. الإخوان يحاولون الآن تمرير الموجة، والإتصالات لم تتوقف بين النظام والإخوان، أو حتي بين أجهزة الاستخبارات العالمية والإخوان، كما قلنا سابقًا فالأمر لم ينته للتعقيدات العالمية والإقليمية في الموضوع، بل إن الحاجة إليهم كجماعة وظيفية تزداد في الفترة الحالية، سواء من الأطراف الإقليمية، فالسعودية في حاجة إلي حزب الإصلاح في اليمن، وكذلك التنظيمات في سوريا، والغرب أيضا في حاجة إليهم في كثير من الملفات سواء الملف الليبي أو حتي ملف المراكز الإسلامية في الغرب نفسه، وهم جزء رئيسي في المناورات الدولية المقبلة فالأصولية ما زالت قادرة على ملاعبة روسيا مع حدودها في الشيشان وغيرها، وملاعبة الصين في بورما وغيرها، والملف الباكستاني الهندي، وغيرها من أماكن الصراع، إلي هذه الدرجة الأمر شديد التعقيد، وهل الأصولية هي الإخوان، بالطبع لا، فالإخوان هم جزء من الأصولية، ولكنه الجزء الوحيد شديد التنظيم، أكثر في الكثافة العددية، الأكثر اتساعاً في العالم، الأكثر خبرة، السمع والطاعة ما زالت هي الأعلي في الإنضباط من التنظيمات الأخرى، برجماتيين ونستطيع التعامل معهم، مخترَقين أيضا، ولا يستطيعون التلاعب معنا، من وجهة نظر مخابراتية، سواء كانت غربية أو عربية. وعمومًا فالمواجهة العسكرية لا تواجه أفكارا، المواجهات العسكرية تواجه تحركات فعلية وتآمرية على الأرض، ولكن الإنهاء الفكري، يحتاج إلى حالة وعي، وحالة تنوع فكري، تحصن الشخص ضد تسليم حياته للعبودية تحت دعاوي دينية مضللة، وهذا يحتاج إلي منهج ثقافي وتعليمي لا يعتمد علي التلقين بل يعتمد علي التنوع والتفكير والإبداع، ولأن هذا المشروع الفكري، ما زال مغيب لأن الأنظمة تخشي من التغيير، وأن هذا الشخص الذي سيتمرد علي العبودية، فقبل أن يتمرد علي تسليم نفسه وعقله للطاعة للقيادات الدينية أو لقادة التنظيمات، سيتمرد أيضاً علي تسليم قلبه وعقله للقادة السياسيين وإعلامهم وخطاباتهم العاطفية، وهذا ما يجعل الدولة في مصر مترددة في قضية تطوير التعليم وتماطل لتكسب مزيد من الوقت، ولكن للأسف فالوقت أيضاً في صالح الجماعة، فكلما مر الوقت، وزادت حياة الناس صعوبة، كلما حن قلبهم للتغيير، وكلما تناسوا ماحدث في عام الإخوان، وكلما استطاعت الجماعة جمع أشلائها وتنظيم صفوفها من جديد، والتواصل مع المجتمع الدولي لتبرئة الساحة، وكسب دعم سياسي، يضغط لدمجها حتي داخل الدولة المصرية مرة أخري، وإن كانت الذاكرة الإليكترونية ستظل موجودة وقابلة للاستدعاء للتذكير والتشهير، وستظل الجرصة تلاحقهم، ولن يستطيعوا الهروب من استحقاقات المحاسبة والمراجعة، سواء من المجتمع أو قواعدهم التنظيمية، أو دوائرهم من المحبين والمتعاطفين والمؤيدين، وما زالت الأيام حبلى بالأحداث، والدراما السياسية في مصر، ما زالت في فترة الأكشن.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف